+
أأ
-

ارجوب يكتب: الذكاء الاصطناعي: مورد اقتصادي جديد للدول في العصر الرقمي

{title}

لطالما قامت الدول على استثمار مواردها الطبيعية لبناء اقتصادات قوية ومستدامة، وكانت تلك الموارد محورًا للتنافس الدولي والصراعات التاريخية، حيث سعت الدول الكبرى إلى فرض نفوذها على الدول الأخرى من أجل السيطرة على الثروات الطبيعية. ولكن، مع التحولات العميقة التي يشهدها العالم اليوم، لم تعد الموارد التقليدية وحدها كافية لبناء اقتصادات قوية، بل أصبح الابتكار والتقنيات الحديثة الركيزة الأساسية للنمو الاقتصادي والتنافس العالمي. في هذا السياق، أصبح الذكاء الاصطناعي أحد أهم الموارد الاقتصادية الجديدة، فهو ليس مجرد أداة تقنية، بل هو محرك رئيسي للتغيير في جميع القطاعات، من الصناعة والتجارة إلى التعليم والصحة. الدول التي تستثمر في تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي وتدعم الابتكار التقني لديها القدرة على بناء اقتصاد رقمي قوي ومستدام، بعيدًا عن التقلبات التي تؤثر على الأسواق التقليدية. يدرك العالم اليوم أن التقنيات الرقمية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، تمثل «النفط الجديد»، وأن امتلاك بنية تحتية تقنية قوية هو ما سيحدد مستقبل الدول اقتصاديًا وسياسيًا. فالدول التي تمتلك تقنيات متقدمة قادرة على تحسين الإنتاجية، وتحليل البيانات الضخمة لاتخاذ قرارات أكثر ذكاءً، وتحقيق استقلال اقتصادي بعيدًا عن الموارد الناضبة، حيث لم تعد التكنولوجيا مجرد أداة مساعدة، بل أصبحت ضرورة استراتيجية، فالدول التي تتخلف عن تطوير قدراتها في هذا المجال ستجد نفسها خارج إطار المنافسة الاقتصادية العالمية. ولهذا السبب، تتسابق الدول العظمى في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وإنشاء منظومات دعم للبحث والتطوير، لأن من يسيطر على هذه التقنيات اليوم سيكون هو من يحدد قواعد اللعبة الاقتصادية غدًا.

تعي القوى الكبرى أهمية الشركات التقنية، حتى لو كانت مملوكة للقطاع الخاص، وتدرك مدى تأثيرها على موازين القوى الاقتصادية. ولعل قضية تطبيق «ديب سيك» الذي أطلقته الصين، والذي أثار قلق الإدارة الأمريكية، مثال واضح على ذلك. فقد أظهر هذا التطبيق أن الصين قادرة على تطوير تقنيات متقدمة بموارد محدودة، ما قد يؤدي إلى تغيير موازين القوى الاقتصادية العالمية. إذا استمرت الصين في تطوير تقنياتها الذكية بوتيرة متسارعة، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز اقتصادها على حساب الولايات المتحدة، وهو ما قد يتسبب في إعادة توجيه البوصلة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق، مما يزيد من المنافسة التكنولوجية والاقتصادية بين القوى العظمى.

لضمان مكانتنا في الاقتصاد العالمي الجديد، لا بد من تعزيز ثقافة العمل الريادي والابتكار التكنولوجي بين الشباب، وتوفير حواضن أعمال مدعومة تسهم في تحويل الأفكار إلى مشروعات اقتصادية قوية. المستقبل لن يكون لمن يمتلك الموارد الطبيعية فقط، بل لمن يستطيع استثمار العقول وتطوير الحلول الذكية التي تواكب العصر الرقمي.

إن الدول التي تدرك أهمية الذكاء الاصطناعي وتسعى إلى تمكينه في مختلف القطاعات ستكون هي الرائدة اقتصاديًا خلال العقود القادمة. أما الدول التي تتجاهل هذا التطور، فستجد نفسها خارج إطار المنافسة في الاقتصاد العالمي الجديد. من هنا، علينا أن نعمل على دعم الابتكار التكنولوجي والاستثمار في الذكاء الاصطناعي، ليصبح أحد أهم روافد اقتصادنا الوطني، ويعزز من مكانتنا على خارطة الاقتصاد الرقمي العالمي.