توقعات الاقتصاد الروسي في 2026: تحديات مستمرة ونمو بطيء

موسكو – قال الخبراء إن الاقتصاد الروسي شهد تباطؤًا في الربع الأخير من العام الحالي، دون أن يدخل في حالة ركود. وأضافوا أن نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي سجل نسبة تتراوح بين 0.5% و2.5%، وفق البيانات الرسمية. وأوضحوا أن هذا التباطؤ يعود إلى ارتفاع سعر الفائدة الرئيسي وتشديد الأوضاع النقدية وتراجع نشاط الاستثمار بسبب العقوبات والحرب في أوكرانيا والمشكلات الهيكلية، رغم وجود مستويات مرتفعة من الاتفاق الحكومي لدعم الاقتصاد.
وأكدت المصادر أن العقوبات الغربية لم تطل جميع قطاعات الاقتصاد الروسي، لكنها أصابت قطاعات رئيسية، بما في ذلك المالية والطاقة والعسكرية. وأشاروا إلى أن قطاع النقل، ولا سيما الطيران، تكبد خسائر كبيرة بفعل القيود، بينما سجلت قطاعات أخرى نموًا ملحوظًا.
وأفادت التقارير بأن القطاع المالي يعتبر من أبرز القطاعات المتضررة، حيث فرضت قيود على الوصول إلى الدولار والأنظمة المالية الأجنبية. كما امتدت هذه القيود إلى صادرات الطاقة والتقنيات المرتبطة بها، بالإضافة إلى القطاع العسكري الذي تعرض لحظر استيراد وتصدير الأسلحة ومكوناتها. وشدد الخبراء على أن هذا الوضع أدى إلى انسحاب العديد من شركات الطيران الأجنبية من السوق الروسية.
التوقعات الاقتصادية للسنوات القادمة
أشارت دائرة الإحصاء الفدرالية إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي في الربع الثالث بلغ 0.6% على أساس سنوي، و1% للفترة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول. وسبق لنائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك أن أكد هذه الأرقام في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما وردت أيضًا في التوقعات الأساسية لوزارة التنمية الاقتصادية لشهر سبتمبر/أيلول.
وفي السياق ذاته، خُفّضت توقعات وزارة التنمية الاقتصادية لعام 2026 من 2.4% إلى 1.3%. كما عدّلت المفوضية الأوروبية توقعاتها للناتج المحلي الإجمالي الروسي للعامين الحالي والمقبل من 1.7% إلى 0.8% ومن 1.2% إلى 1.1% على التوالي. وتبرز هذه الأرقام اتجاهًا واضحًا منذ بداية العام يتمثل في استمرار تباطؤ الاقتصاد، مما يثير تساؤلات حول المرحلة التي قد يبلغها هذا التباطؤ في عام 2026.
ويرى الباحث في الشؤون الاقتصادية أندريه زايتسيف أن تأثير العقوبات أصبح ملموسًا بوضوح، خاصة في الربع الأخير من العام الحالي، مما تسبب في حالة تباطؤ اقتصادي شملت جميع القطاعات. وأوضح زايتسيف أن الشركات الكبيرة بدأت تتجه إلى نظام العمل لمدة أربعة أيام أسبوعيًا، نتيجة ارتفاع معدل الفائدة الرئيسي وتراجع الربحية.
تحديات جديدة أمام الاقتصاد الروسي
وحذر زايتسيف من استمرار عمليات التسريح، فقد يترك عشرات الآلاف من الأشخاص بدون عمل، كما قد يؤدي عجز الموازنة إلى تخفيضات في الدعم المخصص للأفراد والشركات. وأشار إلى أن زيادات الضرائب وتشديد الضوابط الضريبية قد تفرض ضغوطًا إضافية على الشركات، مما يجعل الاقتصاد الروسي مضطرًا للتكيف مع ارتفاع أسعار الفائدة والعقوبات ومحدودية الدعم الحكومي.
يرجّح الباحث في المعهد الأعلى للاقتصاد فلاديمير أوليتشينكو استمرار الاتجاه الحالي في عام 2026. ويرى أن احتمال الوقوع في الركود يبقى واردًا، لكن الإنفاق الحكومي المرتفع سيحافظ بدرجة ما على نمو قريب من الصفر، مما يمنع انزلاق الاقتصاد إلى منطقة العجز. كما يشير إلى أن بيانات دائرة الإحصاء الفدرالية وتقديرات المفوضية الأوروبية لا تعكس أزمة شاملة بقدر ما تعكس الحاجة إلى التكيف مع الظروف الجديدة.
ويخلص أوليتشينكو إلى أن معدلات النمو تباطأت، لكن الديناميكيات لا تزال إيجابية، وهو أمر مهم في ظل الاضطرابات المتزايدة. وأكد أن الاقتصاد الروسي يعمل تحت ضغط القيود الخارجية، لكنه يحافظ على استقراره بإعادة هيكلة الخدمات اللوجيستية والاستثمار المحلي والتطوير التكنولوجي.
فرص الانتعاش الاقتصادي
وأوضح أوليتشينكو أنه إذا استقرت الأوضاع الخارجية وتم التوصل إلى تسوية بشأن الحرب في أوكرانيا، إلى جانب إطلاق مشاريع إنتاجية جديدة وتعزيز الاستثمارات، فقد يصبح من الممكن الانتقال إلى مسار نمو اقتصادي أكثر ثقة. وأكد الخبراء أن الاستجابة السريعة للتحديات الاقتصادية قد تكون مفتاحًا لحماية الاقتصاد الروسي في السنوات القادمة.
في الختام، يبقى الاقتصاد الروسي تحت ضغوط متعددة، ولكن هناك فرص للنمو إذا تم التعامل مع التحديات بشكل استراتيجي، مما قد يفتح المجال أمام استعادة الاستقرار والنمو في المستقبل. يتطلب ذلك تعاونًا بين القطاعين العام والخاص لتعزيز الاستثمارات وتطوير البنية التحتية.














