التحول الرقمي في السعودية: مايكروسوفت تعزز الابتكار والذكاء الاصطناعي

بينما تسرع السعودية مسيرة تحولها الوطني تحت مظلة رؤية 2030، يشهد المشهد التقني الإقليمي نقطة انعطاف كبرى. قال رئيس مايكروسوفت لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، نعيم يزبك، في لقاء خاص مع الشرق الأوسط، إن المنطقة لا تشارك فقط في تحول عالمي بل تتصدره بوضوح. وأضاف يزبك أن السعودية تقف اليوم في مقدمة مشهد تقني يُعد لحظة تحول تاريخية لم نشهد مثلها في المائة عام الماضية، تُعرّفها البنى السحابية السيادية والذكاء الاصطناعي وقدرات الابتكار الوطني.
وأوضح يزبك أن الإرادة السياسية الواضحة في المملكة تقف وراء هذا التسارع. فالدولة لا تسعى فقط إلى تحديث بنيتها التحتية، بل تنظر إلى الذكاء الاصطناعي كركيزة استراتيجية توازي النفط تاريخياً. وأشار إلى أن زيارة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، مؤخراً إلى الولايات المتحدة حملت دلالة مهمة، إذ جاء ملف الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة في مقدمة المحادثات، مما يعكس جدية التوجه السعودي نحو بناء اقتصاد معرفي عالمي التأثير.
هذا التوجه فتح الباب أمام مرحلة جديدة لا تكتفي فيها المملكة باستهلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي من الخارج، بل بتطوير قدراتها المحلية وبناء منظومة إنتاج معرفي يمكن تصديره، مما يعزز مبدأ السيادة التقنية ويؤسس لاقتصاد قائم على الابتكار.
التحول الوطني السعودي
يؤكد يزبك أن المشهد الإقليمي كله يشهد تحولا فريدا، إذ لم تعد دول الخليج، وخصوصا السعودية، تتبنى تقنيات الذكاء الاصطناعي فحسب، بل دخلت مرحلة تطويرها وإعادة تصديرها للأسواق العالمية. وتعمل المملكة على بناء بنى تحتية متقدمة قادرة على تشغيل نماذج ضخمة وتوفير قدرات حوسبة هائلة، مما يجعلها جزءا من معادلة الابتكار العالمية لأول مرة في تاريخها الحديث. وذكر يزبك أن المؤسسات السعودية باتت تطالب الشركات التقنية بضمان أعلى مستويات سيادة البيانات، خصوصا مع حساسية القطاعات المالية والصحية والتعليمية.
كما أشار يزبك إلى أن البنية التشريعية تتطور بسرعة كبيرة لتواكب هذا التحول، حيث قامت المملكة بتحديث أنظمة الأمن السيبراني وحوكمة البيانات والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي بوتيرة أسرع من دول عدة حول العالم. وأوضح أن نجاح المؤسسات لا يُقاس بعدد مشاريع الذكاء الاصطناعي التي تنفذها، بل بمدى ارتباط هذه المشاريع بالتحديات الوطنية الكبرى، إذ يجب أن يكون الذكاء الاصطناعي في صميم ملفات الإنتاجية والرعاية الصحية والتعليم والأمن السيبراني.
يؤكد يزبك أن بناء اقتصاد قائم على الذكاء الاصطناعي يتطلب أكثر من مراكز بيانات متقدمة، فهو يبدأ من التخطيط لعقود مقبلة في إنتاج الطاقة وتوسيع شبكات الاتصال. وأشار إلى أن التشغيل الفعلي للنماذج الضخمة يحتاج إلى قدرة كهربائية هائلة واستقرار طويل الأمد، وهو ما تعمل عليه المملكة عبر استثمارات استراتيجية في الطاقة المتجددة والبنية الاتصالية.
معادلة العائد على الاستثمار
يشرح يزبك أن سؤال العائد على الاستثمار أصبح من أكثر الأسئلة أهمية في هذه المرحلة. فعلى المستوى الوطني، يُقاس العائد بالازدهار الاقتصادي المباشر وزيادة الناتج المحلي وخلق وظائف جديدة وتعزيز القدرة على الابتكار ورفع الإنتاجية وترسيخ المكانة العالمية للمملكة. أما على مستوى المؤسسات، فقد بدأت النتائج بالظهور بالفعل، فمع استخدام أدوات مثل كوبايلوت، أصبح الموظفون قادرين على أداء مهامهم بسرعة أكبر وجودة أعلى والتخلص من الأعمال الروتينية.
وينوه يزبك بأن المرحلة المقبلة ستشهد توسعاً في المكاسب لتشمل تطوير نماذج أعمال جديدة وتحسين تجربة العملاء وتبسيط العمليات التشغيلية ورفع الكفاءة في مختلف القطاعات. وتستعد مايكروسوفت لبدء تشغيل منطقة سحابية جديدة في الدمام خلال النصف الثاني من عام 2026، والتي ستستضيف كامل خدماتها السحابية بما في ذلك Azure و Microsoft 365 و Dynamics و Power Platform.
ويؤكد يزبك أن الطلب على هذه السحابة ضخم، ليس فقط من المؤسسات الوطنية، بل أيضاً من شركات عالمية ترغب بتشغيل خدماتها داخل المملكة. وسيكون لهذه السحابة أثر فوري على القطاعات المنظمة مثل الصحة والمالية، التي ستتمكن للمرة الأولى من استخدام خدمات سحابية وذكاء اصطناعي محلية متوافقة مع الأنظمة السعودية.
قيمة تتجاوز البنية التحتية
يؤكد يزبك أن تشغيل السحابة الوطنية لا يوفر قدرات تقنية فقط، بل يفتح الباب أمام دخول منظومة شركاء مايكروسوفت العالمية إلى داخل المملكة. وهذا يعني أن آلاف الحلول المتقدمة، من برمجيات الأعمال إلى تقنيات الأمن وتحليل البيانات، ستصبح متاحة مباشرة للمؤسسات السعودية. ويعتبر يزبك هذه المنظومة المتكاملة هي العامل الأكثر تأثيرا في تسريع الابتكار وبناء خدمات جديدة.
ويصرح يزبك بأن مفهوم السيادة الرقمية أصبح عنصراً لا يمكن الاستغناء عنه في أي بنية تقنية وطنية. فالمملكة تفرض على مقدمي الخدمات السحابية الالتزام بأعلى درجات الاعتماد لاستضافة البنى الوطنية الحساسة. وتستثمر الشركة مليارات الدولارات سنوياً في الأمن السيبراني وقد تمكنت من صد هجمات إلكترونية غير مسبوقة، مما يعكس مستوى التهديدات الذي تواجهه البنى الوطنية اليوم.
ويعتبر يزبك أن البيانات هي العامل الحاسم لنجاح الذكاء الاصطناعي. وأي نموذج ذكاء اصطناعي لا يستند إلى بيانات نظيفة يتحول إلى مصدر للهلوسة. ولذلك تبدأ أي مناقشة وطنية استراتيجية بسؤال حول مدى جاهزية البيانات الوطنية.
تدريب المهارات... ميزة وطنية
يشدد يزبك على أن المهارات البشرية هي المحرك الحقيقي للقدرة الوطنية. فامتلاك المملكة لبنية تحتية قوية لا يكفي دون وجود مهارات قادرة على تشغيلها وتطويرها. ويرى أن الشباب السعودي يمثل الميزة التنافسية الكبرى للمملكة، حيث إن الجيل الجديد وُلد في عالم رقمي يتعامل مع التقنيات الحديثة بعفوية ومرونة.
وقد درّبت مايكروسوفت أكثر من مليون سعودي خلال العامين الماضيين عبر برامج مشتركة مع سدايا ووزارة الاتصالات ووزارة التعليم ومؤسسة مسك. كما خرّجت أكاديمية الذكاء الاصطناعي المشتركة آلاف الطلاب من أكثر من أربعين جامعة.
وتقوم الرؤية على أن تنمية المهارات هي ما يحول البنية الرقمية إلى قدرة وطنية تُترجم إلى ابتكار وإنتاجية. ويؤكد يزبك أن مايكروسوفت تجري تقييمات دقيقة لأثر السحابة الوطنية في الدول التي تعمل فيها، وتشمل هذه التقييمات خلق الوظائف والمساهمة في الناتج المحلي ونمو الشركات الناشئة.
من التبني إلى الريادة
تشير التوجهات إلى أن الشركات الناشئة السعودية تتجه بسرعة نحو بناء حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مستفيدة من منح سحابية ومن دعم تقني يتيح لها تطوير منتجاتها بسرعة أكبر. ومع توفر قدرات الذكاء الاصطناعي محلياً، ستتمكن هذه الشركات من دخول السوق بوتيرة أسرع وإطلاق منتجات تتوافق بالكامل مع الأنظمة الوطنية.














