تأجيل زيادة اسعار البنزين في ايران amid economic concerns

طهران- اجّلت حكومة ايران الشهر الماضي اعتماد تسعيرة جديدة للبنزين للسيطرة على الطلب المتزايد عليه والحد من تهريبه. وذلك عشية دخولها حيز التنفيذ. مما اثاره تساؤلات عن الاسباب والهواجس.
يأتي هذا بعد مضي 6 اعوام على آخر تعديل لأسعار الوقود أدى إلى موجة احتجاجات عارمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
وبعد أن بررت السلطات المعنية، قبل أسبوعين، التسعيرة الجديدة للبنزين بضرورة توجيه الدعم وترشيده للفئات المستحقة، اكدت المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجران، يوم الجمعة الماضي، أن سبب التأجيل يعود إلى عدم اكتمال الإجراءات اللازمة. في حين يلمس مراقبون خشية حقيقية من تداعيات الخطة على الوضع المعيشي وسط أزمة اقتصادية متفاقمة.
مخاوف حقيقية
بينما بلغ مؤشر التضخم وفق وزير الاقتصاد الايراني علي مدني زاده 40%. وجه 180 من علماء الاقتصاد وأساتذة الجامعات وسياسيين وناشطين آخرين رسالة مفتوحة إلى الرئيس الايراني مسعود بزشكيان، يطالبونه فيها بتحقيق العدالة والشفافية في موازنة الدولة كشرط أساسي لتجاوز الظروف الصعبة الحالية.
وشدد الموقعون، وبينهم وزراء ودبلوماسيون سابقون، على أن تنفيذ أي اصلاحات اقتصادية، بما فيها تعديل الأسعار المدعومة للوقود والسلع الأساسية، يجب أن يقترن بتوازن فعلي في موازنة الدولة. كما طالبوا بتصميم شبكة أمان اجتماعي تكفل عدم وقوع العبء الأكبر لهذه الإصلاحات على الفئات منخفضة الدخل، محذرين من عودة السياسات المكلفة والفاشلة السابقة.
وضع الموقعون 3 مطالب عاجلة أمام المجلس الوزاري لتثبت جدية الاصلاح. تتمثل في حذف موازنات المؤسسات التي لا يُعرف سبب استفادتها من المال العام، وتحويل خزينة الدولة إلى غرفة زجاجية يرى فيها المواطن كل تدفق مالي، وتخفيض موازنات المؤسسات التي لا تتناسب خدماتها مع المبالغ الطائلة المخصصة لها.
تضاعف الأسعار
وفيما تعكس الرسالة حالة من القلق العميق بين النخب الفكرية تجاه السياسات الاقتصادية، يرى الباحث السياسي يوسف آكنده أن مثل هذه الرسالة وغيرها من نصائح النخب الايرانية تأتي كرد فعل على التسعيرة الجديدة للوقود والاصلاحات الاقتصادية الأخرى التي تكاد تثقل كاهل المواطن. وقد تمهد لإشعال شرارة صغيرة من شأنها أن تتحول إلى حريق كبير في الشارع الايراني.
وفي حديثه مع الجزيرة نت، يعتقد الباحث الايراني أن السبب الأساس وراء تأجيل الحكومة الايرانية تطبيق التسعيرة الجديدة للبنزين يعود بالأساس إلى مخاوف من موجات تضخمية واضطرابات اجتماعية في ظل غلاء المعيشة. مضيفا أن زيادة أسعار البنزين قد تخفف ضغطا فوريا لسد جزء من عجز الموازنة العامة لكن تداعياتها لا تقل ضررا من مواصلة السياسات الاقتصادية الراهنة.
ومع أن القرار بتأجيل تطبيق التسعيرة الجديدة يضع الهواجس الاجتماعية والسياسية في مقدمة الاعتبارات، لكن آكنده ينتقد سلطات بلاده لإبقاء عصا الاصلاحات الاقتصادية مرفوعة فوق رأس شعب أثقل التضخم كاهله. مشددا على أن ثمة جهات أجنبية تعمل على تحريض الشارع الايراني على سلطات طهران تمهيدا لتنفيذ مخططاتها الخطيرة.
أزمات مركبة
وتابع أنه في ظل التوقيت السياسي الحساس تحذر فيه تقديرات الأوساط الأمنية من مؤامرات واضطرابات مدبرة من الخارج لاستهداف استقرار الداخل الايراني. كان الأفضل للحكومة عدم إثارة ملف أسعار الوقود في الظرف الراهن والعمل على سد عجز الموازنة عبر التدخل النشط لوضع حد لظاهرة تهريب الوقود. مضيفا أن المواطن بدأ يلمس ارتفاع الأسعار قبل تطبيق التسعيرة الجديدة للبنزين.
يأتي ذلك في وقت تعاني فيه شريحة كبيرة من الشعب الايراني من تدهور حاد في القوة الشرائية. وحاورت الجزيرة نت عددا من المواطنين يكادون يجمعون على أن أسعار السلع الأساسية والخدمات ارتفعت خلال أشهر القليلة الماضية، وأن إثارة الملف شكل دافعا لزيادة إضافية على أسعار المواد الغذائية مثل الرز واللحوم والألبان.
وفي السياق، تقول مرجان (64 عاما) التي أحيلت على التقاعد مؤخرا، إنها في كل مرة تذهب للسوق، تخرج محبطة بسبب غلاء الأسعار. موضحة أنه قبل عام كانت أسعار الرز لا بأس بها أما اليوم فنفس المبلغ لا يكفي لشراء سوى ثلث الكمية.
تحديات وحلول
من ناحيته، لا يستغرب محمد (26 عاما)، وهو طالب الدراسات العليا بجامعة أمير كبير وسط العاصمة طهران، ارتفاع الأسعار بمجرد التلويح برفع أسعار البنزين ذلك لأن التجارب السابقة أثبتت للشارع الايراني بأن رفع أسعار الوقود، وإن كانت طفيفة، يؤدي إلى مضاعفة أسعار العديد من السلع والخدمات الأخرى.
وأكد محمد أنه يرى رفع أسعار الوقود أمرا لا بد منه للحد من الاستهلاك المتزايد، بغض النظر عن ظاهرة التهريب التي يجب معالجتها عن طريق المؤسسات المعنية. لكنه يعارض انتقال جزء من تكلفة الوقود إلى المواطنين دون وجود برامج موازية لدعم الطبقات محدودة الدخل لأن من شأن ذلك مفاقمة الاحتقان الاجتماعي.
في غضون ذلك، يقدم عالم الاقتصاد الايراني آلبرت بغزيان رؤية نقدية حادة لتوقيت وطريقة رفع أسعار الوقود في بلاده. مضيفا أن مثل هذه الإجراءات والإصلاحات الاقتصادية تؤدي إلى إضافة ضغوط تضخمية جديدة في اقتصاد يعاني أصلا من أزمات مركبة في حين لم تعد الحكومة أصلا باحتواء تداعيات التسعيرة الجديدة على أسعار السلع الأخرى.














