موجة العودة الطوعية للاجئين السوريين في تركيا وأثرها على الاقتصاد والسياسة

أنقرة - في عام واحد. شهدت تركيا أوسع موجة عودة طوعية للاجئين السوريين منذ اندلاع الأزمة قبل أكثر من عقد. وذلك في أعقاب انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024.
ووفق بيانات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية التركية وإدارة الهجرة. عاد أكثر من 578 ألف سوري إلى بلادهم في الفترة ما بين انهيار النظام السابق وديسمبر/كانون الأول الحالي. ضمن برنامج العودة الآمنة والمنظمة الذي تشرف عليه أنقرة.
وبذلك يرتفع إجمالي عدد السوريين العائدين منذ عام 2016 إلى نحو مليون و318 ألف شخص. في تحول لافت على صعيد ملف اللجوء.
تحولات سكانية
أظهرت المدن التركية الكبرى. وفي مقدمتها إسطنبول وغازي عنتاب وهاتاي. أبرز ملامح التغير الديمغرافي الناتج عن موجة العودة الواسعة للسوريين خلال العام الجاري. ووفق بيانات رسمية صادرة عن إدارة الهجرة التركية. سجلت هذه المدن تراجعا ملحوظا في أعداد السوريين المقيمين على أراضيها.
ففي إسطنبول. انخفض عدد السوريين من نحو 481 ألفا في مايو/أيار الماضي إلى حوالي 417 ألفا بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. أما في غازي عنتاب. فتراجع العدد من 386 ألفا إلى 333 ألفا. بينما شهدت هاتاي انخفاضا من نحو 195 ألفا إلى ما يقارب 154 ألفا خلال الفترة نفسها.
وانعكس هذا الانخفاض بشكل مباشر على ضغط الخدمات العامة في تلك الولايات. لا سيما في قطاعات التعليم والصحة. فقد أشارت بلديات محلية إلى تراجع الكثافة الصفية في المدارس الحكومية نتيجة انخفاض عدد التلاميذ السوريين. إلى جانب انخفاض ملحوظ في أعداد المراجعين من اللاجئين في المستشفيات والمراكز الصحية.
تداعيات اقتصادية
وتأتي هذه التحولات في سياق أوسع يتمثل في تراجع نسبة السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة من إجمالي سكان تركيا إلى نحو 3.16% في نهاية 2024. في حين تشير التقديرات إلى أن هذه النسبة واصلت الانخفاض خلال العام الجاري.
أثرت عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين بشكل مباشر ومزدوج على سوق العمل التركي والبنية الخدمية. حيث أسهمت من جهة في تخفيف الضغط عن قطاعات تشهد منافسة متزايدة على الوظائف. لكنها من جهة أخرى كشفت عن فجوات حادة في قطاعات اقتصادية اعتمدت لسنوات على العمالة السورية. خاصة في ولايات الجنوب ذات النشاط الصناعي الكثيف.
ففي ولاية غازي عنتاب. التي تعد أبرز المتضررين من موجة العودة. أكد رئيس غرفة تجار الخياطة والنسيج علي كومورجو أن أكثر من نصف ورش النسيج اضطرت إلى الإغلاق بسبب فقدان شريحة واسعة من العمال السوريين. الذين كانوا يشكلون عماد هذا القطاع.
تحول سياسي
وفي السياق ذاته. أشار رئيس غرفة صناعة الأحذية في الولاية. محمد أمين إينجه. إلى أن نحو 10 آلاف عامل سوري غادروا القطاع خلال العام. مما أدى إلى نقص كبير في الأيدي العاملة المدربة. وترك أثرا واضحا على وتيرة الإنتاج في واحد من أكبر القطاعات الصناعية في المنطقة.
تداعيات هذا النقص طالت أيضا مصانع صغيرة اضطرت إلى التوقف مؤقتا عن العمل. في حين لجأت مصانع أكبر إلى حلول جزئية. كتوظيف عمال جدد أو زيادة الاعتماد على القوى العاملة التركية. وإن دون القدرة الكاملة على تعويض المهارات والخبرات التي غادرت.
من جانبها. أعلنت وزارة العمل إطلاق دراسة موسعة شملت 17 قطاعا. عبر استبيان استهدف 16 ألف منشأة في أنحاء البلاد. بهدف تقييم أثر عودة السوريين على المشهد العمالي. ورصد الفجوات التي خلّفها خروج أعداد كبيرة من اليد العاملة. لا سيما في قطاعات الإنتاج والخدمات.
نقلة مفاهيمية
وبالتوازي. كشفت وسائل إعلام مقربة من الحكومة عن إستراتيجية وطنية جديدة للتوظيف تمتد حتى عام 2028. تتضمن خططا لاستقدام عمالة أجنبية مدروسة من دول آسيا الوسطى وأفريقيا. لتغطية النقص المسجل في قطاعات حيوية مثل البناء والنسيج والصناعات الخفيفة.
كما لم تستبعد مصادر رسمية إمكانية منح بعض العمال السوريين المهرة تصاريح عمل طويلة الأجل أو إقامات دائمة إن أثبتوا كفاءة واستقرارا. في إطار معالجة ميدانية لحاجة السوق. دون أن يمس ذلك بالمبدأ الإستراتيجي الأساسي وهو تشجيع العودة الطوعية.
شهد الخطاب السياسي التركي خلال العام الجاري انعطافا لافتا في تعاطيه مع ملف اللاجئين السوريين. إذ تراجعت نبرة التصعيد التي كانت تهيمن على الجدل العام في السنوات الماضية. لتحل محلها لغة أكثر توافقا. ترتكز على دعم العودة الطوعية وتأكيد احترام كرامة العائدين.














