+
أأ
-

فئات تتعرض للإقصاء والتهميش... دعوات عاجلة لحماية ما تبقى من المجتمع

{title}

قال الكاتب والمفكر الدكتور إبراهيم الغرايبة إن التهميش، في جوهره، عملية مركّبة تتقاطع فيها عوامل الهيمنة مع آليات الإقصاء المؤسسي، ما يجعله تحديًا هيكليًا يهدد التنمية المستدامة.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الشعارات التي ترفعها السياسات الاقتصادية حول الشمولية والعدالة الاجتماعية، تقف عاجزة أمام آفة التهميش التي تنخر في النسيج المجتمعي، مولدةً طبقات وفئات تعيش على هامش الاقتصاد الرسمي، ومحرومة من مقومات الاندماج الفعلي في الدورة الإنتاجية.


وبيّن الغرايبة أنه لا يمكن تناول التهميش بمعزل عن تحليل البنية الاقتصادية والاجتماعية، إذ إن هناك فئات واسعة من المجتمع تجد نفسها في حالة إقصاء غير معلن، غير قادرة على الوصول إلى الفرص والخدمات التي يُفترض أنها متاحة للجميع، مضيفًا أن هذا الحرمان الممنهج يؤدي إلى تعميق دوائر الفقر وإعادة إنتاج اللاعدالة، ما يفاقم أوجه التفاوت ويضعف المشاركة الاقتصادية والاجتماعية لهذه الفئات، وهذه الظاهرة تُنتج سلسلة من التداعيات السلبية المتراكمة، بدءًا من تراجع الإنتاجية العامة، ومرورًا بضعف أداء المؤسسات المعنية بتقديم الخدمات الأساسية، ووصولًا إلى تجليات اجتماعية خطيرة مثل الجريمة، والتشرد، والتطرف، والتفكك الأسري، والانتحار.

ونوّه إلى أن تحليل مؤشرات التفاوت في الإنفاق العام، يظهر أن هناك فجوات صارخة بين مختلف الطبقات والمناطق، إذ تتجه الاستثمارات العامة بشكل أكبر نحو الفئات الميسورة والمراكز الحضرية الكبرى، على حساب الأرياف والمناطق الطرفية التي تعاني من تراجع الخدمات الأساسية، ويتضح ذلك من خلال انتشار المتسولين، وتنامي ظواهر العمل غير الرسمي مثل البيع على الإشارات، إضافة إلى ضعف القدرة الاستيعابية للمؤسسات التعليمية والصحية العامة مقارنة بالنمو السكاني المتسارع، كما يتجلى التهميش في عدم تغطية نسبة كبيرة من السكان بأنظمة التأمين الصحي والضمان الاجتماعي، الأمر الذي يفاقم المخاطر الاجتماعية لهذه الفئات مع تقدمها في العمر، حيث تشير الإحصاءات إلى أن 60٪ من المواطنين فوق سن الستين لا يتمتعون بأي شكل من أشكال التقاعد أو الضمان الاجتماعي.

وذكر الغرايبة أن التهميش يتجاوز كونه حالة فردية ليصبح ظاهرة جماعية تشمل طيفًا واسعًا من الفئات الاجتماعية، بدءًا من الفقراء والأيتام وذوي الإعاقة، مرورًا باللاجئين، والنازحين، والمتسربين من المدارس، وليس انتهاءً بالأسر المفككة، والمساجين وعائلاتهم، وكبار السن الذين يعيشون دون حماية اجتماعية، لتجد هذه الفئات نفسها مستبعدة من المشاركة في صنع القرار أو التأثير في رسم السياسات العامة التي تمسّ حياتها مباشرة.

 


وطرح مجموعة من الأسئلة المرتبطة بمدى استهداف هذه الفئات في الخطط التنموية والموازنات العامة، وما إذا كانت تأخذ سياسات التنمية بالحسبان الفجوات المتزايدة بين مختلف الطبقات والمناطق.

وطالب الغرايبة بإعادة هيكلة أولويات التنمية بحيث تكون أكثر حساسية لمتطلبات الفئات المهمشة باتت ضرورة ملحة، إذ إن التنمية الحقيقية تقاس بمعدلات النمو الاقتصادي، وبقدرتها على خلق بيئة شاملة تكفل لجميع المواطنين فرصًا متكافئة للمشاركة والارتقاء بمستوياتهم المعيشية، فبدون سياسات عادلة ومنصفة، سيبقى التهميش عاملًا مقوضًا لأي نهضة اقتصادية واجتماعية مستدامة.