اخبار الاردن – يتفق خبراء ومستثمرون أن التشوهات التشريعية والبيروقراطية تشكل أهم معيقات البيئة الاستثمارية في المملكة، رغم الخطوات التحفيزية التي اتخذتها الحكومة خلال الأشهر الماضية.
فالمستثمر الذي يقصد المملكة اليوم ترتطم خطواته بالبيروقراطية وغياب المرجعية الواحدة لاستكمال الإجراءات، خصوصا فيما يتعلق بالتراخيص والبدء بالعمل، الأمر الذي يشكل ضربة للخطط الرامية لتعزيز تنافسية وجاذبية المملكة استثماريا.
واتخذت الحكومة عددا من الإجراءات والقرارات لتحفيز وتنشيط بيئة الأعمال بالمملكة؛ في مقدمتها الخط السريع لخدمة المشاريع الاستثمارية من خلال مديرية النافذة الاستثمارية، إضافة إلى تقليص اللجان في الهيئة من 23 إلى 13 لجنة، وتقليص الإجراءات المتعلقة بتسجيل وترخيص المشاريع الاستثمارية والمدة الزمنية للتسجيل في المناطق التنموية من 5 أيام إلى يوم واحد. إلا أن الخبراء يرون أنها خطوات صغيرة وغير كافية.
فملف الاستثمار بالمملكة يدار، حاليا، من قبل مؤسسات عدة، بسبب وجود تضارب حقيقي في التشريعات التي لم يستطع قانون الاستثمار الحالي معالجتها.
فما تزال النافذة الاستثمارية التي يفترض أن تكون هي المرجعية الوحيدة للمستثمرين تعاني قصورا تشريعيا، بسبب وجود بنود بقوانين مؤسسات أخرى تستدعي عرض المشاريع عليها من قبل لجان مختصة قبل الرد على طلبات المستثمرين، بالإضافة إلى ارتفاع كلف الإنتاج، ولاسيما الطاقة، وكذلك كلف البنية التحتية، وغياب الأتمتة.
ولا يتمتع اغلب مفوضي النافذة الاستثمارية، والذين يبلغ عددهم 16 ويمثلون مختلف المؤسسات المعنية بملف الاستثمار بالمملكة، بكامل الصلاحيات لأخذ أي موافقات تتعلق بمشروع معين؛ إذ يتطلب ذلك الرجوع إلى الجهة التي يمثلونها لأخذ تلك الموافقة، منها وزارات الصحة، السياحة، البيئة، العمل، الشؤون البلدية، أمانة عمان الكبرى، مؤسسة الغذاء والدواء.
وقال رئيس الجمعية الوطنية لحماية المستثمر، الدكتور أكرم كرمول، إن البيئة الاستثمارية في المملكة ما تزال تعاني من تشوهات تشريعية تضعف تنافسية المملكة بملف الاستثمار، نتيجة تضارب قانون الاستثمار مع العديد من قوانين مؤسسات الدولة الأخرى.
وبين كرمول أن المستثمر، الذي يقصد المملكة لإقامة مشروع معين يصطدم بالبيروقراطية “القاتلة”، نتيجة طول الإجراءات وحاجته إلى مراجعة عدة مؤسسات لإنجاز المعاملات والتراخيص التي يحتاجها للبدء بالعمل.
وأشار إلى غياب المرجعية الواحدة للتعامل مع المستثمرين، مبينا أن النافذة الاستثمارية التي أنشئت بموجب القانون غير مفعلة؛ حيث أن القائمين عليها لا يمتلكون كامل الصلاحيات لاتخاذ القرار بشأن الطلبات التي تقدم إليهم لتنفيذ وإقامة مشاريع استثمارية.
وأوضح أن مفوض النافذة الاستثمارية، الذي يمثل بعض المؤسسات، لا يستطيع اتخاذ القرار بشكل مركزي، لوجود تشريعات في المؤسسة التي يتبع لها تتطلب عرض الطلب على لجان ليست من صلاحيات الوزير، مما يؤدي إلى تأخير الإجراءات.
ولفت إلى أن الموافقات المسبقة عند تسجيل الشركات تعتبر أيضا معطلا حقيقيا لتنشيط عجلة الاستثمار بالمملكة، عدا أيضا عن ارتفاع تكاليف الإنتاج وخدمات البنية التحتية (كهرباء وماء وصرف صحي).
وشدد كرمول على ضرورة إعادة النظر بمنظومة الاستثمار بالمملكة من خلال الحد من تضارب التشريعات التي تتعارض مع قانون الاستثمار، إضافة إلى الجدية في تفعيل النافذة الاستثمارية من خلال مركزية القرار، وعدم حاجة المستثمر لمراجعة مؤسسات أخرى.
وأشار إلى ضرورة استقرار التشريعات، خصوصا فيما يتعلق بقانون ضريبة الدخل وتقديم حوافز إضافية للمستثمرين تشجع على تعزيز جاذبية المملكة للاستثمارات.
وقال “لابد من إعفاء المستثمرين من ضريبة المبيعات، خصوصا في مرحلة التأسيس للمشروع”، إضافة إلى إيجاد خريطة استثمارية واضحة للفرص ذات القيمة المضافة العالية وعرضها على رجال الأعمال من قبل أصحاب الكفاءات الذين يمتلكون القدرة على الاقناع بجدوى هذه المشاريع.
وطالب رئيس الجمعية بضرورة إنشاء محكمة اقتصادية تُعنى بحل النزاعات التي تواجه المستثمرين، ضمن فترات زمنية قصيرة، كونها من الأمور المهمة التي تتصدر أولويات المستثمر عندما يقرر إقامة مشروع في بلد معين.
وشدد على ضرورة الاستفادة من التقارير العالمية، خصوصا المتعلقة بممارسات الأعمال، لأنها تمثل وصفة مجانية لمعالجة النقاط السلبية التي تضعف بيئة الأعمال بالمملكة.
وقال نائب رئيس مجلس الأعمال العراقي في الأردن، سعد ناجي، إن البيئة الاستثمارية بالمملكة ما تزال بحاجة إلى مزيد من الإجراءات التي تسهل على المستثمرين.
وأكد ناجي أن المستثمر بالمملكة يعاني من البيروقراطية، وتعدد المرجعيات المسؤولة عن ملف الاستثمار، عدا عن تضارب التشريعات التي تجعل المستثمر حائرا في مراجعة أية جهة لاستكمال المتطلبات التي يحتاجها، بالاضافة إلى عدم تفعيل مشاريع الأتمتة الإلكترونية من قبل المؤسسات المعنية بالاستثمار.
وأشار إلى عدم استقرار التشريعات، خصوصا فيما يتعلق بقانون ضريبة الدخل، الذي يعد من القوانين الاقتصادية المهمة، التي تتصدر اهتمامات المستثمرين.
وبين أن عددا من المستثمرين خرجوا من المملكة إلى دول مجاورة بسبب ارتفاع كلف الإنتاج، وعدم القدرة على المنافسة.
ودعا ناجي الحكومة إلى ضرورة إعادة النظر بالمنظومة الاستثمارية، والعمل على معالجة جميع التحديات التي تواجه المستثمرين، خصوصا فيما يتعلق بتضارب التشريعات وارتفاع كلف الإنتاج.
وشدد ناجي على ضرورة تشكيل لجنة متخصصة لدراسة المشاريع المتعثرة والعمل على حلها، إضافة إلى التواصل المستمر مع المستثمرين والاستماع إلى ملاحظاتهم حول تحديات بيئة الاستثمار بالمملكة.
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي، الدكتور ماهر المدادحة، أن البيئة الاستثمارية بالمملكة ما زالت تعاني من العديد من المشاكل، خصوصا فيما يتعلق بالأمور اللوجستية والإدارية.
وقال المدادحة “إن المستثمر، في الوقت الحالي، بحاجة إلى مراجعة أكثر من مؤسسة حكومية لاستكمال إجراءات التراخيص والبدء بالعمل، وهنالك تداخل في الصلاحيات بين المؤسسات المعنية بملف الاستثمار بالمملكة”.
وأشار إلى وجود مشكلة تنفر المستثمرين متعلقة بارتفاع كلف الإنتاج، خصوصا فيما يتعلق بالطاقة، التي تؤثر سلبا على المنافسة إضافة إلى غياب العمالة المدربة ذات الجودة العالية.
وأوضح أن الشركة الوطنية للتدريب والتأهيل وبرامج التدريب الاخرى صُرف عليها مبالغ بملايين الدنانير، ولم تثمر في توفير العمالة المدربة التي يحتاجها المستثمر، مبينا أن المستثمر يبحث عن الفرص الناجحة واستقرار التشريعات.
وأوضح أن العديد من المستثمرين خرجوا من المملكة لارتفاع كلف الإنتاج، وتراجع العائد على الاستثمار، مقارنة بالدول المجاورة.
ودعا إلى إعداد استراتيجية واضحة تناقش معيقات الاستثمار بالمملكة في جميع المراحل بدءا بتضارب التشريعات، والضرائب والجمارك والبيروقراطية في التعامل مع المستثمرين.
وشدد على ضرورة وجود مظلة واحدة تتعامل مع المستثمر في جميع الإجراءات، وتعمل أيضا على حل جميع القضايا التي تواجهم دون الحاجة إلى مراجعة مؤسسات أخرى.
وشدد على ضرورة التركيز على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشر لزيادة احتياطي المملكة من العملات الأجنبية، وهذا يتطلب وجود خريطة استثمارية تتضمن فرصا حقيقية، ذات جدوى اقتصادية ودراسات أولية عن واقع المشروع والعائد المتحقق للمستثمر.
وشدد على ضرورة دراسة المزايا الاستثمارية بالمحافظات والتركيز على مشاريع النقل والترويج للاستثمار وتفعيل دور السفارات.
وقال الخبير الاقتصادي، الدكتور ماهر المحروق، أن بيئة الاستثمار تواجه العديد من التحديات، أهمها تعاطي الجهات الحكومية المختلفة مع المستثمرين بشكل منفر؛ من حيث تعقيد الإجراءات والمماطلة بالموافقات “البيروقراطية”، في تنفيذ وإجراء العقود والمعاملات وتكاليفها.
وأشار إلى عبء الإجراءات الحكومية وتعددها وتدني مستوى الإدراك للحوافز والمزايا الاستثمارية والتأخر في تطوير البنى التحتية الداعمة للعملية الاستثمارية، إضافة إلى ضعف القدرات التنفيذية في جذب الاستثمار وترويجه، والتي لا ترقى إلى مستوى التخطيط والإعداد.
وبين أن عمليات التنظيم والتخطيط للاستثمار تعاني من فجوة بُعدها عن الواقع، وهذا يعكسه عمل الأطراف المعنية بمعزل عن بعضها البعض، ومدى واقعية وملاءمة الخطط والحوافز الاستثمارية المقترحة ومرونتها.
وأشار إلى “عدم ثبات التشريعات الناظمة للعملية الاقتصادية، فمنذ سنوات والبيئة الناظمة لبيئة الأعمال والاستثمار تعاني الكثير جراء التقلبات الحاصلة في البيئة القانونية والتشريعية، وأبرزها قانون الاستثمار والضريبة”. وبين أن مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد ألغى بموجبه عددا من المزايا والإعفاءات الضريبية الممنوحة للمناطق التنموية والحرة بموجب قانون الاستثمار.
وشدد المحروق على ضرورة الاستقرار التشريعي، وخاصة في التشريعات الضريبية والاستثمارية، من خلال مراجعة شاملة تنتج أطر تشريعية مرنة بعيدة عن التداخل فيما بينها.
وأشار إلى ضرورة تحديد رؤية وخطة واضحة المعالم لتعزيز الاستثمار المحلي وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، والحفاظ على الاستثمارات القائمة وتعزيزها، وخصوصا المحلية منها، إضافة إلى تفعيل دور النافذة الاستثمارية لغايات تبسيط الإجراءات.
وأكد على ضرورة إعادة هندسة العمليات الحكومية وتبسيط الإجراءات، وتفعيل الحكومة الإلكترونية والعمل على إصلاح البيت الداخلي للمؤسسات والجهات الحكومية التي تعنى بالاستثمار وإقامة المشاريع، وتدريب موظفيها على تسهيل الإجراءات للمستثمرين الأجانب.
ولفت إلى أهمية التحضير الجيد والمميز للاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار (العراق، سورية، اليمن، ليبيا)، وتحسين البيئة القضائية والمحاكم، وعدم إطالة زمن حل النزاعات التجارية والفصل فيها.
يشار إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل للأردن خلال العام الماضي بنسبة 7.2 % أو ما مقداره 79.4 مليون دينار مقارنة مع العام الذي سبقه.
ووفقا لجدول ميزان المدفوعات، تبين أن الاستثمار الأجنبي المتدفق للأردن خلال العام 2017 بلغ 1.182 مليار دينار مقارنة مع 1.102 مليار دينار في العام 2016.
وكان الاستثمار الأجنبي حقق أعلى مقدار في العام 2008، ببلوغه مستوى ملياري دينار، إلا أنه تراجع مع تداعيات الأزمة المالية العالمية
وقال وزير الدولة لشؤون الاستثمار، مهند شحادة، إن هيئة الاستثمار اتخذت سلسلة إجراءات لتحفيز وتنشيط بيئة الأعمال بالمملكة، أهمها خدمة الخط السريع لخدمة المشاريع الاستثمارية من خلال مديرية النافذة الاستثمارية.
وأضاف أن الهيئة قامت بإعداد خريطة استثمارية جديدة للمملكة تتضمن 240 فرصة ومشروعاً استثماريا صغيرا ومتوسطا وكبيرا، تشمل العديد من القطاعات الاقتصادية؛ حيث تم العمل على إعداد دراسات جدوى مبدئية لـ 120 مشروعا استثماريا.
وأشار إلى قيام الهيئة بالتعاون مع وزارة الداخلية باعتماد إصدار موافقة أمنية واحدة للمستثمر تكون كافية لأي إجراء أو خدمة يحتاجها لاستثماره وإقامته في المملكة، إضافة إلى ربط الحصول على الإعفاءات إلكترونياً بالمراكز الجمركية في المملكة، مباشرة دون العودة إلى قسم الإعفاءات في الهيئة، بشرط أن تستخدم حصرا في المشروع الاستثماري.
وبين أن الهيئة عملت على اختصار الإجراءات المتعلقة بتسجيل وترخيص المشاريع الاستثمارية، والتي كانت تتم من خلال 23 لجنة في الهيئة إلى 13 لجنة وتقليص الإجراءات المتعلقة بتسجيل وترخيص المشاريع الاستثمارية والمدة الزمنية للتسجيل في المناطق التنموية من 5 أيام إلى يوم واحد.
وأشار إلى تخفيض المدة الزمنية لمنح أو تجديد بطاقة المستثمر من 5 أيام عمل إلى يومي عمل، وتقليص المدة الزمنية لمنح الإعفاءات بموجب قانون الاستثمار من أسبوعين إلى أسبوع واحد وتخفيض المدة لمنح الإعفاءات بموجب قرارات مجلس الوزراء من 7 أيام إلى يوم واحد.
ولفت إلى اتخاذ الحكومة قرارات تتعلق بمنح الجنسية الأردنية للمستثمرين والإقامة الدائمة، ضمن شروط محددة، كخطوة تحفيزية نحو جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية في كافة القطاعات.
وأشار إلى قيام الحكومة باتخاذ خطوات عملية لتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي بإتباع السياسات المالية والنقدية المحفزة وتعزيز الاستقرار المالي والنقدي، ومتابعة مصفوفة تحسن الأردن في مؤشرات بيئة الأعمال، ويتم العمل على متابعة الإصلاحات التشريعية المتعلقة ببيئة الأعمال لتنعكس إيجابا أيضا على تقرير العام المقبل 2019 من خلال وضع خطة عمل تنفيذية تفصيلية تتضمن المؤشرات الفرعية المتعلقة بممارسة الأعمال.
ولفت إلى إقرار مجموعة من الحوافز والإعفاءات لقطاع تكنولوجيا المعلومات والتي تشكل نقطة انطلاق لكي يصبح الأردن مركزاً إقليمياً لقطاع تكنولوجيا المعلومات وصولاً للاقتصاد المعرفي ومواكبة التطورات في عالم تكنولوجيا المعلومات وصناعة منتجات منافسة في الأسواق العالمية، والمساهمة في تعزيز تواجد الشركات العاملة في خدمات تكنولوجيا المعلومات في المملكة، وتشجيع الاستثمار والتوظيف في هذا القطاع، فضلا عن أهمية القرار لتطوير صناعة محلية.الغد