اخبار الاردن – بعد محاولات عدیدة لإیجاد مدرسة تقبل بتسجیل الطالبة السوریة رھام محمد (12 عاما) في الفترة المسائیة، ظھر لھا الواقع كما لا ینبغي أن یكون. ”دوام الفترة المسائیة، شاق ومرھق“ تقول رھام في وصفھا للدوام، وھي لا تتذكر أنھا داومت
وھي نشیطة ”الوقت قصیر لا یكفي لإعطائنا ما نستحقھ من العلم عدا عن دوام یوم السبت الإضافي الذي لا یحضره إلا القلیل من زمیلاتي بسبب الخوف من خلو الشارع من الناس في صباح یوم العطلة الحكومیة“.
رھام لیست الطالبة الوحیدة التي تعاني من سلبیات الفترة المسائیة، فلقد أنشأت وزارة التربیة والعلیم 204 مدارس بنظام الفترتین لاستیعاب العدد الإضافي من الطلاب في بدایة الأزمة السوریة وتسجیل 000.134 طفل من اللاجئین السوریین تقریبا.
تمكنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة ”الیونیسف“ خلال السنوات الثلاث الماضیة من إعفاء الأطفال السوریین اللاجئین من الوثائق في وقت التسجیل، وھو ما أدى إلى زیادة عدد المسجلین إلى 4000 طفل ھذا العام.
كانت عملیة إصدار الشھادات ومتطلبات التسجیل، بمثابة عائق أمام التحاق الأطفال الأكبر سناً بالمدارس، حیث یصعب على العدید من العائلات التي خرجت من سوریة جلب أصول أوراقھا، ما یعیق استیفاء طلبات فرضھا بعض مدراء المدارس، بأن یجلب الأطفال شھادات المدارس السوریة الرسمیة التي تثبت اتمامھم للفصل الدراسي السابق.
بحسب تقریر لمنظمة ”ھیومن رایتس ووتش“ للعام 2016 فان حوالي 40 % من الأطفال السوریین اللاجئین في الأردن یفتقرون لشھادات المیلاد، وھي مطلوبة لاستصدار وثائق الخدمة.
شبح ترك المدرسة یطارد السوریین
في 24 أیار (مایو) 1991 قبل 27 عاما تحدیداً، صادق الأردن على اتفاقیة حقوق الطفل، والتي تعتبر إحدى أبرز الخطوات التي یسعى الأردن من خلالھا لتحقیق أقصى معدلات الحصانة لدى الطفل في شتى المجالات.
المادة 28 من الاتفاقیة، تؤكد أھمیة اعتراف الدول بحق الطفل بالتعلیم، وتحقیقا للإعمال الكامل لھذا الحق تدریجیا ”على أساس تكافؤ الفرص“ والتي بینت في إحدى بنودھا وجوب اتخاذ تدابیر لتشجیع الحضور المنتظم في المدارس والتقلیل من معدلات ترك الدراسة.
رغم الجھود المبذولة، فما یزال شبح ترك الدراسة یطارد كثیرا من الطلبة، تقول رھام ”أغلب المعلمات لا تعطینا حقنا في الحصص وعند مناقشتنا لأي أمر یتم معاقبتنا وھذا ما یدفعني في بعض الأحیان إلى ترك دراستي، ولكن ھدفي واصراري ھما اللذان دفعاني للاستمرار، لا أنسى تعامل بعض المعلمات بفوقیة“.
رھف یوسف (13 عاما)، تركت المدرسة منذ شھر ونصف، بسبب تعرضھا للتحرش والتنمر، تتحدث لنا عن ما تراه من فوضى في مدرستھا، وحیث أنھا تعرضت للتحرش عدة مرات، وھذا ما دفعھا إلى ترك المدرسة لمدة فصل كامل وعندما عادت مرة أخرى تعرضت لذات المشاكل، والتي كانت الحلقة الأخیرة لدوامھا في المدرسة بسبب خوفھا وخوف والدتھا علیھا.
یعد التحرش وسوء المعاملة سبابان لدفع بعض الطلبة للتفكیر بترك المدرسة، لكنھما لیسا الوحیدین، یشیر الاخصائي التربوي النفسي موسى المطارنة إلى أن ”الطفل السوري قد یعاني من وضع اقتصادي صعب وبالتالي یجد بأن الأولویة للعمل ولیس الدراسة“.
فالحرب في سوریة، وما خلفتھ من تھجیر واضرار بالطفل السوري، تضرب دافع البعض للتعلم، عدا على أنھ من الممكن أن تكون المدرسة بأنظمتھا غیر محفزة للطفل أو بسبب وجود الطفل في بیئة وثقافة مختلفة، كما یقول المطارنة.
بحسب دراسة اعدتھا ”الیونیسف“ عام 2018 فإن 38 % من الأطفال غیر ملتحقین أو انقطعوا عن المدارس، لأسباب تتعلق ببعد المسافة والتكلفة والافتقار إلى أماكن لھم للالتحاق بالمدارس وتعرضھم للتنمر.
فترة اللعب اصبحت في المدرسة
بموازاة الحق في التعلم، تظھر حاجة الطلبة لتفریغ طاقاتھم واللعب بحكم الفترة العمریة التي یعیشون فیھا، إلا أن دوامھم المسائي یجعل أولویة التعلیم عائقا أمام اللعب، ما یصعب على الطفل التماشي معه.
تقول سناء (اسم مستعار) وھي إحدى المعلمات في الفترة المسائیة بأنھ: ”إذا احتجت لضبط الطلاب فان تھدیدھم بالحرمان من حصة الریاضة ھو فقط ما یلقى نتیجة معھم“، فیلجأ الطفل نتیجة تضارب الحاجة للعب والحق في التعلیم لتفریغ طاقتھ في المدرسة، وھذا ما أشارت الیھا سناء، كذلك: ”أن الطلاب یأتون للمدرسة بنشاط زائد لدرجة عدم قدرتنا على ضبط الطابور الصباحي.“
وفي حال وضع الطالب الدراسة صوب عینیھ فأن الوقت ما یزال عائقا أمام تنظیم یومھ ووقتھ، تقول سمیة الجبان وھي ام لطالبة بالفترة المسائیة: ”مدرسة ابنتي رائعة، وھي متفوقة في دراستھا إلا أنني احزن عندما اراھا تسھر لساعات طویلة من أجل أن تدرس جیدا“. وفي ذات الشأن، تقول انوار محمد وھي شقیقة لطالبة انتقلت من الفترة المسائیة للفترة الصباحیة: ”استطاعت اختي أن تنظم وقتھا أكثر عندما انتقلت للفترة الصباحیة واصبحت تدرس بشكل أفضل“.
لكن الاخصائي المطارنة، یرى بأن الفترة المسائیة غیر مناسبة للطفل لأسباب عدة، منھا انخفاض دافعیتھ للتعلیم وقت الظھیرة، عدا على أن الفترة المسائیة بالعادة ھي فترة للراحة، للأكل، واللعب لذلك لا یجد الطفل في نفسھ الرغبة للتعلم، إضافة الى ما یصاحب ذلك من الروتینیة في العملیة التعلیمیة ووضعھ في حالة من الانسحاب وتقلل من فرصھ في التحصیل العلمي وتسبب لھ في حالات كثیرة الاحباط“.
اعمار متفاوتة في الصف الواحد
خلفت الحرب السوریة اضرارا حصدھا السوریون بمختلف الأعمار، لكنھا طالت بالضرورة الأطفال بشكل خاص. بحسب إحصائیات للیونیسف عام 2017 فان أكثر من 6.5 ملیون شخص، بمن فیھم 7.2 ملیون طفل، یعیشون كلاجئین مسجلین في مصر والعراق والأردن ولبنان وتركیا منذ بدء النزاع، وھناك أكثر من ملیوني طفل في سن الدراسة غیر ملتحقین بالمدارس.
فمنھم من لم یجد فرصة للتعلیم على اثر إصابتھ بضرر منعھ من الاستمرار ورفض المدارس لھ، وھذا ما حدث مع علاء الذي اصیب بشحنات زائدة في الدماغ اثر الحرب وھو الآن محروم من التعلیم منذ 6 سنوات.
تقول شقیقتھ أنوار: ”لقد ذھبنا للعدید من المدارس لتسجیلھ ولكنھم رفضوه خوفا من أن یسبب تشویشا على الطلبة الآخرین ورغم شرحنا لحالتھ الصحیة بأنھ لا یعاني من أي نوبات صرع ولن یسبب أي تشویش وبعدھا توجھنا للمدارس الخاصة وطلبت منا مبالغ باھظة لا نستطیع تغطیتھا“.
بعض الأطفال السوریین، فقدوا سنوات دراسیة بحكم الحرب، فالتحق بعضھم بصفوف دراسیة أقل سنة فسببت لھ رد فعل عكسیا أمام أي سلوك من معلم أو الطلبة وھذا لھ إنعكاس على التحصیل الدراسي.
یقول مصعب ھدیب مدرس علوم في الفترة المسائیة، أن ”أي طالب أكبر من زملائھ في الصف لا یحبذ ان یتحدث معھ أستاذ أو یسألھ سؤالا عن المادة بحكم انھ أكبر من زملائھ، ونجد لدیھ رد فعل اتجاه زمیلھ، اذا جلس بجانبھ ویبقى منعزلا الى حد ما“.
تقول الأم سمیة ”یوجد في صف ابنتي طالبات اكبر منھا بسنتین وتلاثة، تقول لي بانھا تشعر بأن حدیثھن وعقلھن مختلف عن باقي الصف لذلك تفضل أن تتجنبھن“.
وجود الاعمار المتفاوتة في الصف الواحد یعتبر امرا غیر صحي، لأن لكل مرحلة عمریة خصائصھا ولكل مرحلة متطلباتھا وبالتالي یمكن أن تنتج سلوكیات غیر صحیحة منھا الاستغلال, التحرش, التنمر, وتسبب للطفل حالة نفسیة غیر مستقرة وعدم القدرة على التفاعل السلیم داخل الصف، ھذا ما یراه الأخصائي المطارنة.
ومن الجانب الآخر، ھناك نظام بوزارة التربیة والتعلیم یُعرف بمسمى ”قاعدة الثلاث سنوات“ یمنع أي طفل أردني أو سوري یتجاوز عمر أقرانھ في الصف الدراسي المنشود بثلاث سنوات من الالتحاق بالمدارس الرسمیة للحفاظ على جودة التعلیم.
وھو ما من ِشأنھ استبعاد اعداد كبیرة من الأطفال السوریین من التعلیم الرسمي بالضرورة بحكم الحرب وما خلفتھ من تدمیر للمدارس السوریة.
لمعالجة ذلك، قامت وزارة التربیة بتكثیف الجھود الجماعیة حیث وفرت التعلیم غیر الرسمي لـ 247.29 طفلا سوریا غیر ملتحقین بالمدرسة بحلول العام 2018.
تأثرت جودة التعلیم سلبا بسبب الاكتظاظ في الصفوف وبیئات التعلیم الضعیفة والمعلمین غیر المدربین بشكل كاف ووقت الحصص الضیق في المدارس ذات الفترتین، عدا عن حاجة المدارس للصیانة والتجھیزات التي تتجاوز التمویل المتاح، ھذا ما اشارت لھ ”الیونیسف“ بتقریر لھا العام 2018.
وفقا للبیانات الصادرة عن وزارة التربیة، فثمة ارتفاع في عدد الأطفال السوریین اللاجئین الملتحقین في المدارس، حیث وصل عددھم إلى 668.130 طفلا العام 2018/2017.
بلغ معدل الالتحاق الاجمالي في الصفوف الأساسیة 66 % أما في الصفوف الثانویة 24% وعلى الرغم من زیادة الالتحاق في التعلیم الرسمي، إلا أنھ ما یزال ھناك عدد كبیر من الأطفال غیر ملتحقین بالمدرسة، والذین یقدر عددھم بنحو 137.73 طفلا لاجئا.
*بدعم من منظمة صحفیون من أجل حقوق الإنسان JHR