أخبار الأردن – غادر الأردن مربع حراسة الحدود، اتقاء شر المخدرات وأخطارها الى مربع يهاجم به منابع الآفة لسحق الاتجار بها في المهد ، وهو ما تعكسه الخطوات العملاقة التي تتخذها القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي لاجتثاث جذور ومتكأ تجارة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية والأسلحة النارية.
وتشمل القفزة في الاجراءات الاردنية الصارمة، القاصدين الحدود الأردنية والمخططين للعبور إلى دول الجوار، ما يعني تصعيدا في الحرب الاردنية الشعواء النافذة منذ سنوات، بيد اخذت أخيرا منحنى أكثر حزمًا لدحر هذه الخطر الداهم عن المملكة وشعبها.
وتتنوع أساليب التصعيد الاردني في هذا الخضم، بين رفع الجاهزية والقدرات لقوات حرس الحدود، والمراقبة الدورية الليلية الدقيقة، ونصب كاميرات المراقبة فائقة الجودة والدقة، ويقظة حُراس الوطن وعلى مدار السَّاعة هي الجبهة المتينة والشَّديدة التي يواجه بها الأردن التجار والمخدرات ، الذين استغلوا حالة الفوضى في بعض السنوات لدى دول جوار لتصبح المخدرات محمية لديهم بقوة سلاح متطور لا تمتلكه إلا جيوش منظمة.
يقول خبراء أمنيون واستراتيجيون ومتخصصون بعلم الجريمة عقب اشتباك قوات حرس الحدود الأردنية مع أشخاص يمتلكون أسلحة ومخدرات وطائرات مسيرة، إنَّ الأردن غادر مربع حراسة الحدود فقط إلى مربع يهاجم به منابع الخطر ويقتلع ويجفف منابع المخدرات والأسلحة في مواقعها.
وقال اللواء المتقاعد عبدالله الحسنات إن ما يدور على الحدود الشمالية والشرقية هي حرب منذ عشر سنوات بدأت تشهد عمليات تهريب كانت تقتصر على المواد التموينية والدخان في السابق، لكن ومنذ بداية الأزمة السورية 2011 أختلفت نوعية التهريب حيث أصبح بإزدياد والتركيز على تهريب المخدرات خصوصا على الحدود الشمالية.
وأضاف أن السنوات الثلاث الاخيرة شهدت تطورا نوعيا وكميا للمخدرات بشكل كبير جدا بما يعادل الملايين من أنواع الحبوب منها الكبتاغون والحشيش وكميات بسيطة من الكوكائين او الهيروين، ومن الملفت للنظر التطور النوعي الكبير الذي طرأ خلال عامي 2022 – 2023، هو الإزدياد الكبير في عدد الأشخاص المهربين بالعشرات ونوعية التهريب ما يرافقه من أسلحة نوعية (ميم دال)، والأسلحة متوسطة الحجم وهي بالمفهوم العسكري تستخدم ضد الآليات والمدرعات لمقاومة حرس الحدود من أجل إدخال المخدرات وكميات كبيرة، أذا ما تم إدخالها وتسليمها الى تجار المخدرات في الداخل الأردني أما للمتاجرة بها او إعادة تصديرها للخارج، بالإضافة إلى ايجاد حواضن مسلحة للمخدرات، مؤكدا التطورات الخطيرة في الجانب الشمالي.
وتابع الحسنات موضحا أن “الجماعات الاجرامية المنخرطة في تهريب المخدرات تتبع مليشيات ومنظمات، مضيفا أن القصد من تهريب المخدرات هو تهديد الأمن القومي الأردني، مبينا أن اعدادا كبيرة جدا تقصد الحدود، وبعضها تضليلي وبعضها رئيسي، من أجل تشتيت انتباه وجهود القوات المسلحة الأردنية.
وأكد أنها عصابات منظمة تهرب المخدرات وتصنعها في مصانعها حيث أن الإحصاءات تقول بإن عددها 295 مصنعًا في الجانب السوري، ويقوم التاجر بحملها ونقلها الى المستودعات الأمامية بالقرب من الحدود الأردنية والتنسيق لإدخالها الى الأردن وبحسب ظروف الطقس وخصوصا في هذه الفترة، حيث تنشط عمليات التهريب في فصل الشتاء وحتى بداية فصل الربيع بسبب الطبيعة الجغرافية التي تساعد في عملية التخفي والتستر من خلال الضباب الغبار الكثيف جدا والطيات الأرضية والمناطق الصعبة جغرافيا.
وأوضح أن المهربين لديهم تقنيات حديثة ووسائل إستطلاع قوية طائرات درونز للإستطلاع حديثة جدا، بالإضافة إلى سيارات مصفحة ومفخخة، بالمقابل يوجد مستقبِل للمخدرات بالجانب الداخلي الأردني، وهم من يشكل الخطر الأكبر من الخط الخارجي وان الجانبين يطلقان النار بإتجاه القوات المسلحة الإردنية، وهنا يكون العبء أكبر على رجال الأمن.
وأضاف أن من يحمل المخدرات عبارة عن حمالين وعتالين فقط لا غير، ليس لديهم اي قيمة لدى تجار المخدرات وليس لديهم معلومات عن تجارة المخدرات، مؤكدا، وجود مليشيات ومنظمات ترعى هذه العمليات والتي تبلغ عشرات المليارات من الدولارات، اضافة الى أعداد كبيرة من المصانع الموجودة في الداخل السوري.
واكد أهمية التركيز على توعية سكان المناطق الحدودية وحل مشكل البطالة والفقر التي تحتضن هؤلاء المهربين والذين أصبحت المخدرات بالنسبة لهم مكسبا للعيش وسلعة للتداول، حيث أصبح بينهم مروجون ومتعاطون في الأردن.
خبير الأمن الاستراتيجي الدكتور عمر الرداد، قال إن الاشتباكات التي جرت بالأمس جاءت بإطارين الأول تكتيكي وهو عبارة عن رد فعل مباشر على الضربة التي تلقتها هذه الميليشيات أو العصابات يوم الخميس الماضي من قبل طائرات سلاح الجو .
وأضاف أنّ البعد الآخر استراتيجي للعملية ويشير الى ان الداعمين والممولين والجهات التي تقف وراء الميليشيات لديها إصرار على تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن تنفيذا لاستراتيجيتها بصنع الفوضى في المملكة.
ولفت الرداد إلى أن هذا الجهد في الحقيقة متواصل وما أجبر الأردن على الاعلان عن هذه المواجهات المستجدة والمختلفة كما ونوعا هو الزيادة في مستوى عمليات التهريب ودخول الاسلحة بشكل واضح وبالامكان القول ان العمليات التي تنفذ وتنتج عنها هذه المواجهات لم تعد قضية عصابات محدودة تحاول تهريب المخدرات، ويجري التعامل معها والقضاء عليها أو تحييدها، إنما المسألة أكبر من ذلك .
وأكد أنَّ لدى الأردن موقفا واضحا وثابتا اذ ان المملكة اعتمدت استراتيجيتها على أساس مواجهة هذه المخدرات بكل امكانياته عبر تغيير قواعد الاشتباك من خلال الوصول الى قيادات ورموز عصابات التهريب التي تتبع لميليشيات معروفة.
وبينت استاذة القانون الدولي العام الدكتورة ساره العراسي أنّ الاردن يعد من الدول التي تنعم بالامن والاستقرار على مستوى المنطقة ولكن ما نشهده خلال الآونة الاخيرة من اعمال على الحدود الشمالية هدفها زعزعة هذا الامن والاستقرار.
واكدت ان ما يقوم به الاردن هو عمل من اعمال السيادة في الحفاظ على أمنه القومي وهو عمل قانوني مشروع، في ظل عدم وجود تنسيق إقليمي للحد من استمرار هذه العصابات المسلحة المهربة للمخدرات.
وفي إطار ذلك دعت العراسي، الى تنسيق إقليمي بهذا الخصوص وخاصة من قبل دولة المنبع لهذه العصابات بحيث يتم القضاء عليها وعلى آفة المخدرات التي تحاول فيها استهداف الشباب.
ويرى المتخصص في الشؤون القانونية الدكتور سيف الجنيدي، أن الاردن يواجه عبر طول الحدود الشمالية خطر الجرائم المنظمة العابرة للحدود، وعلى وجه الخصوص التدفقات المالية غير المشروعة، وتهريب المخدرات والأسلحة.
وأضاف أن ما يقوم به الأردن اليوم يُسهم في حماية الأمن والسلم الدوليين الذي هو غاية ميثاق الأمم المتحدة، فهذه الممارسات تؤجج الصراعات وتفتك بالقيمة الخالدة للإنسان.
وبين الخبير الامني والاستراتيجي اللواء المتقاعد هشام خريسات أنّ ما جرى ويجري على الحدود الشمالية من محاولات لتهريب المخدرات والسلاح، يأتي في إطار العمل الممنهج للجماعات القائمة على هذه العمليات، بعد ان شهدت في الآونة الاخيرة تطورا في طريقة التنفيذ.
ولفت الى أن نشاط هذه الجماعات تطور الى عمل منظم تقوم عليه عصابات للتهريب يرافقها عصابات مسلحة لتأمين الحماية لها وتمكينها من عبور الحدود، ما يعد تطورا خطيرا لعبور الحدود بالقوة، واستغلال الحدود غير المنضبطة من الجانب الآخر .
وبين أنَّ قوات حرس الحدود تقوم بدور كبير ومهم في التعامل مع هذه المجموعات من خلال التصدي لها، وقتلها وطردها الى حيث اتت، مشيرا في هذا الإطار الى متابعة الاجهزة الامنية المتخصصة للمتعاونين مع هذه العصابات داخل الاردن، لحماية الامن والاستقرار والسلم المجتمعي.
وقال ان الرواية الأمنية لما يجري على الحدود شفافة ودقيقة، والتي تشير الى وجود متعاونين مع المهربين داخل الحدود الاردنية، مؤكدا أهمية التنسيق عالي المستوى داخل المنظومة الامنية في الاردن للتعامل مع هذه الفئة، مؤكدا ثقة المواطن الاردني باجهزته الامنية.
وبين الاستاذ المشارك في علم الجريمة في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور رامي عبدالحميد الجبور، انه على الرغم من الدور الكبير الملقى على عاتق قواتنا المسلحة الاردنية للحفاظ على الأمن الوطني من أي إعتداءات خارجية تمس أمنه واستقراره نظراً للظروف الإقليمية المحيطة وما نشهده من نزاعات مسلحة وحروب، الا ان جلاله الملك عبدالله الثاني ما يزال يؤكد على الدوام ضرورة التيقظ والتربص لكل من تسول له نفسه للمساس بأمن الاردن وحياة ابنائة.
وأشار إلى أنَّ القوات المسلحة تواجه وبشكل يومي محاولات اختراق للحدود من قبل عصابات المخدرات التي تحاول ادخال هذه الآفة الى داخل المجتمع الاردني وحيث ان اضرارها تؤثر على المجتمع، وتسهم في انتشار السلوكيات الانحرافية والاجرامية.