كتّاب

في بيتنا صائم جديد…

بقلم: حنين البطوش

قد تكون هذه السنة هي المرة الأولى التي سيصوم فيها الكثير من الأطفال فهل سيستطيعون الصيام طوال اليوم؟
هل عمر ولدي مناسب للصيام؟كيف أرغب ابني بالصوم ؟
هل يؤثر سلوك الأهل على رغبة الأولاد في الصيام؟ وماذا أعلم أبنائي على مائدة رمضان؟
تساؤلات كثيرة قد يطرحها بعض الأهالي حول هذا الموضوع فسنذكر أبرزها مع بعض النصائح .
فالصيام مدرسة ليس للكبار البالغين فقط، بل وللصغار أيضًا متى عرف الوالدان سبل الاستفادة من هذا الشهر الكريم واستغلاله لأجل تحقيق الفوائد العظمى المنشودة ،فعندما نأمر الولد بالصيام على الأهل مراعاة صحة الولد وقوته وقدرته على الصيام ،فينبغي للأهل غرس المفاهيم العامة للصوم في نفس الطفل، وشرح معنى الأجر والثواب، فيشعر بالحماس لأداء هذه الفريضة ويقدر معنى زكاة الفطر وأهميتها للفقير ،فالولد المميّز غير مكلف بالصوم ، لكنه إن صام يصح منه ، وواجب على الأهل أمره بالصوم إن بلغ سن التمييز وأطاق الصيام.

فقد كان الصحابة يأمرون المميزين بالصوم ويلاعبونهم بأشياء تنسيهم الطعام حتى يأتي المغرب ،وليكن ايضاً علم سلفنا الصالح قدوة لنا، فهذه الربيع بنت معوذ إحدى الصحابيات تقول:إنه لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء كنا نصومه ونصوّم صبياننا حتى إذا بكى على الطعام نعطيه اللعبة من العِهن(القطن) حتى يكون الإفطار،وهكذا يعتاد الطفل تدريجيًا على الصوم ويتعلق به في سن مبكرة.

وأؤكد لكم أن من أنفس ما تصرف فيه نفائس الأوقات تربية الأطفال فرمضان شهر الخير والبركات، وهو بمثابة مدرسة لتربية الأجيال الناشئة على حب الطاعات وفرصة لتهذيب النفس والأولاد ،فلنغتنم هذه الفرصة في غرس أحلى العادات في أولادنا فننعم بعد ذلك بالراحة بإذن الله وله تأثيرات إيجابية على نفسيتهم وسلوكهم وتعزيز صحتهم النفسية والشعور بالسعادة الداخلية وتحسين الانضباط الذاتي وتعزيز قدرتهم على التحكم في سلوكهم ، فيتعلم الأطفال خلال الصوم أهمية الانتظام والامتناع عن الشهوات الفورية وتعزيز الانتقاء الغذائي الصحي، ويعتبر الصيام فرصة لتدريب الأطفال على التحمل والصبر وطريقة التعامل مع الشعور بالجوع والانتظار حتى وقت الإفطار، مما يعزز قدراتهم على الانضباط ويساعدهم في تعبئة وقتهم بأنشطة مفيدة ، فالصيام يساعدهم على التفكير في الأطعمة التي يتناولونها وتحديد المناسب لصحتهم.

كيف أرغب ابني بالصوم؟
ابتداءً مهم أن نشرح للولد بحسب فهمه أن الصيام عمل من أعمال الخير التي نقوم بها طلباً للثواب من الله وليس طلباً لرضا الناس وثنائهم عليه، وهو شهر القرءان والصبر والرحمة والعفو وشهر الجود والمواساة والإحسان ومما يساعد على ذلك أن نجهز الولد للصيام وذلك باصطحابه إلى مجالس العلم التي يسرد فيها القصص النبوية الشريفة التي فيها بيان عظم هدة الطاعة.

وهناك بعض الأساليب التي تشجع الولد على الصيام ومنها: التعاون مع أولاد الأقارب أو الجيران بحيث يصومون جميعاً فيشجع بعضهم بعضاً على الصيام، وتحضير وجبة مميزة للطفل عند الإفطار من وقت لآخر والسماح له بالجلوس على مائدة الكبار من الصائمين، وضع بعض الحلويات والأطعمة المفضلة للطفل الصائم بعيداً عنه قبل الإفطار حتى لا تضعف همته على الصيام ،ومن المهم إظهار جو من البهجة والسرور بهذا الشهر الفضيل من خلال الزينة ووضع الفوانيس والمدائح الرمضانية حتى يشعر الأطفال بأهمية هذا الشهر الكريم.

شهر رمضان مناسبة عظيمة لتعليم الصغار قراءة القرءان وحفظه، ورصد الجوائز تشجيعًا لهم، فيغرس في نفس الولد مخافة الله ويتعلم كسر نفسه بالابتعاد عن الملذات من مأكل ومشرب، فرمضان فرصة عظيمة لتعليم أولادنا حب الخير ،فكثير من الأطفال يتأثرون بما يرونه من أهاليهم فمن المهم أن يقدم الأهل لأولادهم قدوة حسنة في الحرص على كمال الصيام والصلاة ، فإذا اعتاد الأبناء على رؤية أهلهم يسارعون إلى الصلاة ويتركون أي عمل بغض النظر عن أهميته يترسخ في قلوبهم عظمة الصلاة ويدوكون فضلها.

وننصح الوالدين في رمضان وغيره على حفظ اللسان عن الغيبة والكذب والنميمة ونحو ذلك مما يؤثر على كمال الثواب وعدم التكاسل عن أداء الطاعات كالجلوس لساعات أمام التلفاز أو اللعب بالألعاب الإلكترونية والانشغال بالهاتف والسوشيل ميديا.

وللجد والجدة دور حيث يرويان للصغار السيرة النبوية وقصص الأنبياء، وسيرة أبطال الصحابة فهذه واحدة من أهم النشاطات الذهنية التي تجمع ما بين التسلية والحماس والاستفادة، التي يتعلم الطفل ويتعرف فيها على التاريخ الإسلامي والقيم الإسلامية وهذه القصص تزرع في نفوس الصغار المبادئ العظيمة والأخلاق الكريمة والشجاعة والتضحية والإيثار وحب الصبر.
فالشاعر يقول:
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
ويستفاد من هذا الشهر تعويد الطفل على أعمال البر كزيارة المساجد فإن من أكثر ما يسعد الأطفال هو الخروج مع الآباء ومرافقتهم إلى الأماكن العامة والمشاركة في بعض اهتماماتهم وبالإضافة إلى ذلك يؤخذ الولد أيضا لزيارة الأرحام وتعويدهم الدعاء وإحياء ليلة القدر وغيرها العديد من الطاعات وذلك على حسب قدرته وأخذههم لصلاة العيد ونحو ذلك من أعمال الخير

ومما يساعد ويعين الطفل على مواصلة نهار الصوم والتماسك حتى أوان الإفطار إيقاظه للسحور وتقديم الطعام المغذي والمشبع الذي لا يسبب عطشاً كالأطعمة المالحة أو الحلويات والبهارات واستبدالها بالتمر والجوز والزبيب وغيرها من الفواكه المجففة، والتقليل من الأطعمة المقلية والدهنية التي قد تسبب عسر الهضم.

وعمل برنامج يومي للطفل يتخلله استراحة للنوم ودراسة واستماع إلى القرءان وحضور درس ديني ،وننصح الأم على السماح لأطفالها بمساعدتها في إعداد الطعام فهذا يفرحهم ويشغل وقتهم ويعلمهم العمل الجماعي .

ولا شك أن اجتماع الأولاد على مائدة رمضان فرصة ذهبية لتعليمهم بعضًا من آداب الطعام كغسل اليدين قبل الأكل وبعده والتسمية قبل الأكل والبدء بالإفطار على رطل أو تمر أو ماء كما أخبرنا الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام ، والحرص على شرب الكثير من الماء لتعويض ما فقد من سوائل خلال الصيام ،والأكل باليمنى ومما يليه وبدون شراهة ،وتجنب ذم الأكل كقول:(لا أحب هذا الطعام) وحمد الله وشكره على الكثير من النعم التي أنعم بها علينا حيث إن الفقراء قد لا يجدوا ما يسد جوعهم ،وعلى الأهل الاهتمام بإعطاء الأولاد الطعام والذهاب به الى المسجد، لإعطائه للفقراء فيشعر بأهمية الصدقة، وتفطير الصائمين الفقراء فيتربى على حب الخير والعطاء وعلى التعاطف مع إخوانه المسلمين في رمضان وغيره من الشهور، فإحساس الطفل بالجوع يعلمه التعاطف مع الفقراء الذين لا يجدون ما يسد جوعهم.