كتّاب

المركز الوطني للمناهج: ثلاث إدارات، وثلاثة اتجاهات!

بقلم: الدكتور ذوقان عبيدات

منذ نشأة المركز الوطني للمناهج، تعاقب على إدارته ثلاثة مديرين، وثلاثة رؤساء!
أولًا- العهد الأول؛ الأستاذ الدكتور عدنان بدران رئيسًا، والأستاذ الدكتورة رُبا بطاينة مديرة. استمر هذا العهد سنتين اثنتين، وبنهاية غير سعيدة.
ثانيًا- العهد الثاني؛ الأستاذ الدكتور عزمي محافظة رئيسًا، والدكتور محمود المساد مديرًا. وانتهى بعضه غير سعيد.
ثالثًا- العهد الثالث؛ الأستاذ الدكتور محيي الدين توق رئيسًا، والدكتورة شيرين حامد مديرة.
كان لكل عهد دور مختلف عن غيره، أو هكذا تمايزت العهود بتمايز مسؤوليها، كان هناك استمرار لبعض المهام، وانقطاع لمهامَّ أخرى، وهذا طبيعيّ في الإدارة الأردنية التي تميل إلى إلغاء الآخر السابق؛ وبخاصة إذا كان هذا الآخر قويّا! فالإدارة الأردنية رعوية مالكة “مزرعاتية”، بمعنى أن الأمور تُدار بمزرعة “أبوي”. وللإنصاف لم يسلم عهد منها، ولعل العهد الأول أقلها.

(01)
العهد الأول: بدران – بطاينة
هذا العهد هو عهد التأسيس والبناء، فلا تراث سابقا له، مع خبرة عملية محدودة. بدران لم يعمل بالمناهج إلا مؤلفًا لكتاب في البيولوجيا في مرحلة ما قبل الشهرة. وبطاينة أكاديمية منهاجية محترفة بامتياز،” لم تُعَيَّن بطريقة زبائنية “، مع أنها كانت بعيدة عن آليات إنتاج الكتب في وزارة التربية. وهذا بنظري وضع مثالي: امتلاك المعرفة من دون التورّط بالآليات القديمة؛ ولذلك، تم العمل من مسافة الصفر أكاديميّا، وتم اجتهادان اثنان: البدء بالعلوم، والرياضيات، بوصفهما الأكثر سهولة؛ لبُعدِهِما عن الثقافات المحلية. والاجتهاد الآخر، الاتفاق مع مناهج كولينز، جامعة كمبردج. كان جوّ العمل أخلاقيّا جماليّا راقيًا بِرُقِيّ بدران، وبطاينة!!.
تعرّضت “الرشقة الأولى من الإنتاج إلى حملة ظالمة في معظمها؛ تقنّعت بلباس الوطنية والتديّن، حيث تم إحراق الكتب علنًا. عمل فريق بدران – بطاينة في ظل قوّة هيَجان نقابة المعلمين ذات الطابع التديّني!!.
تمّت الإطاحة بالكتب، وربما بابتعاد الدكتور بدران، و”التلبُّد” للدكتورة بطاينة حتى تكمل مدة السنتين حسب العقد.
وبرأيي، نجح هذا العهد في بناء مركز وطني مستقل، أفقد محبّي ثقافة وزارة التربية صوابهم. تحملت بطاينة ما لا يُطاق من نقد – لم أكن بعيدًا عنه -. لكن، للأمانة أنها وضعت أسسًا قوية، وقيمًا جديدة للعمل، بينما ارتقت مع بدران بالسموّ بالمستوى الأخلاقي للعمل. وبالنتيجة، كان المجتمع في غالبيته ضدّ تجربة بدران – بطاينة!!.
ألخّص: رُبا بطاينة عاملة نشيطة وناشطة، على طريقة النَّملة، التي تفتش كل ما حولها، وتتفحص بدقة، وكان بدران عاملًا كالنَّحلة التي تحلق فوق الأزهار برؤية بانورامية. وهذا عامل تكامل لفريق ناجح. لا أتحيز لهذا الفريق المدهش، لكنه جُوبِهَ بصعوبات قاتلة، خاصة أنهما لم يستمعا جيدًا لرأي مخلِصين، ناصِحين جادّين!!.

(02)
العهد الثاني: محافظة – مساد
كان هذا العهد عهد إنجازات لا شك فيها؛ فالدكتور محافظة ذكيّ وقوي، والدكتور مساد خبير متمكن، كما أنهما حظِيا بفريق استشاري تربوي مختص، لم يتوافر للعهد الأول.
بدأ العهد الجديد بتطوير ما أنتجه العهد السابق، فوضع خططًا لكل شيء، حتى لإعداد المؤلفين، وأنجز: إطارًا عامّا بفلسفة وطنية تقدمية، ووضع مصفوفة متكاملة بالمفاهيم العابرة للمواد، كما وضع خطة متكاملة لإنتاج الأطر الخاصة، والكتب المدرسية لجميع الصفوف.
كان محافظة متعلمًا بارعًا وداعمًا، وكان مساد عاملًا متمكنًا. وقد امتلك المركز في بداية هذا العهد كل مقومات النجاح: التربوية، والعملية!
انقلب هذا العهد على نفسه، وبرزت قُوًى جديدة تنقصها قيَم عديدة لا مجال لذكرها هنا، لكن هذه القوى لم تكن تمتلك غير خبرة أجنبية في تأليف الكتب، وعنادًا قويّا مدعومًا لعدم الاستجابة لمتطلبات تربوية وثقافية، وغيرها. عملت هذه القُوى بعيدًا عن الإطار العام الذي ركز على كتب رشيقة جاذبة، عاقلة، تحترم الطلبة، وتركز على الحداثة والمستقبل .
وبرأيي، امتلك هذا العهد كل مقومات النجاح، وتم التفريط بها عمدًا. وكان الخطر الأكبر أنه استعان بثقافة وزارة التربية التي استبدّت، وسيطرت على العهد الثالث.
انتهى هذا العهد. حيث غادر مساد، ثم غادر محافظة،، وبقيت قُوًى غير مناسبة تتحكم بالمركز.
وغابت الجِدّة عن كتب أنجِزت في هذا العهد. فهذا عهد أسميه: نجحت العملية، ومات المريض!!

(03)

العهد الثالث: توق – شيرين
جاء هذا العهد بترتيب من قيادة العهد الثاني، ولهذا معانٍ عديدةٌ، بعضها قد لا يكون إيجابيّا؛ الدكتور توق خبير مختص في علم النفس التربوي، والدكتورة شيرين مختصة في علم القياس والتقويم. وبذلك، يمكن لأي مراقب أن يثير أسئلة حول نظرة الدولة إلى المناهج!!
ومع حداثة هذا العهد، إلّا أنه واجه الأصعب؛ إنتاج كتب الدراسات الاجتماعية، وكتب اللغة العربية، وهي الأكثر صعوبة! نجح العهد الثاني في إصدار كتب التربية الإسلامية من دون ضجيج، أما هذا العهد، فلم يستطع الصمود أمام التحديات الآتية:
• غياب الخبرتين: الأكاديمية، والعملية في المناهج.
• غياب الخبرة التربوية المتوسطة القادرة على مراقبة الإنتاج.
ولذلك، وضع مراجعين تربويّين لكل كتاب، كما أنه أنشأ إدارة للجودة، ولم يتمكنوا من إبراز البعد التربوي، بل قالوا لأطفال 13 سنة: موتوا بالسيف أفضل من أن تموتوا بغيره!!
وقالوا لأطفال 15 سنة: هُويّتكم ليست من أصل عربي!!
لم يكتمل هذا العهد، وبالعكس سيُمَدَّد له خلافًا لما سبق، ولكم أن تستنتجوا لماذا يُمَدَّد لعهد، وتُمنَع عهود!! دكتورة بطاينة قوية عنيدة، لا تفرّط بحق، ولذلك، ذهبت ولم تعد!! والدكتور مساد عارف، و صاحب وجهة نظر، ولذلك، ذهب ولم يعد!!
لم يُجَدَّدْ لهما!
فهمت عليّ جنابك؟!!