بالرغم من الخسارة الواضحة شعبياً وسياسياً للمحطّة الأولى لرئيس الوزراء، د. عمر الرزاز، في تشكيل الحكومة، فإنّه أكّد ثقته بعبور هذه المرحلة الصعبة وتجاوز الامتحانات المقبلة بنجاح.
ما سيحاول الرئيس وفريقه تحقيقه هو الإمساك بزمام المبادرة من جديد، عبر اتخاذ مواقف والإعلان عن سياسات وتوجّهات تعيد شحن الروح الإيجابية وتستقطب جزءاً من الطبقة الوسطى والمجموع الإصلاحي العام الذي شعر بقلق شديد من تشكيلة الحكومة التي تضمنت أكثر من النصف من أعضاء الحكومة السابقة.
من الضروري أن يتجاوز الرئيس القرارات الأحادية والجزئية إلى إنتاج “إعلان مبادئ” إصلاحي واضح، في بيان الثقة أمام مجلس النواب في بداية الدورة الاستثنائية المتوقعة قريباً جداً، يعيد فيه تقديم نفسه وفريقه وتوجهات الحكومة، بما يستقطب التيار الإصلاحي العام والنخب البرلمانية التي تريد أن تستعيد الثقة الشعبية في المجلس، ولا يترك الحكومة “لقمة سائغة” كما هي الحال اليوم لخصومها، وهو تيار شرس وصلب ومتربص للإجهاز على الرزاز وإخراجه مبكّراً من الميدان السياسي.
العبور ممكن لكنّه شاق للغاية، ويحتاج إلى جهود مضاعفة بعدما حدثت حالة واضحة وعميقة من “الشك” لدى الطبقة الوسطى والشباب المعولم والنخب الإصلاحية التي كان بالنسبة لها الرزاز -سابقاً- أحد الفرسان المرتقبين ورهانا جاهزا للانتقال إلى مرحلة جديدة.
الرئيس وفريقه، في هذه اللحظة تحديداً، عملياً، بلا حلفاء ولا قاعدة اجتماعية عريضة تقف خلفهم، فالتيار المحافظ عموماً في الأصل متشكك في الرجل (الرزاز) ومشروعه (فكرة العقد الاجتماعي الجديد، والانتقال من الدولة الريعية)، والنخب السياسية والصالونات التقليدية تراهن على فشل مبكّر جداً له، وتكرار تجربة حكومات ضعيفة معروفة لدى الجميع.
والنخب الرسمية تراهن على فرملته وترويض المطالب الجديدة في الإصلاح، بينما التيار العام الذي استيقظ في احتجاجات 30 أيار والطبقة الوسطى المتملمة التي تراقب حالياً، بعدما أدركت قدرتها على إحداث التغيير، هذا الجانب من المعادلة لديه خيبة أمل كبيرة بالتشكيلة وشعور بعدم الثقة من قدرة الفريق على اجتياز المربعات الحالية.
يقف إلى جوار هؤلاء الأحزاب التقليدية التي غابت تماماً عن تشكيلة الحكومة، وفي مقدمتها التيار الإسلامي، الذي يحظى بحضور اجتماعي واسع وعريض، وله كتلة نيابية وامتدادات في النقابات والشارع، فهو أيضاً لديه شكوك كبيرة نتيجة إقصائه -كما يقول أتباعه- بالكلية عن التشكيلة الجديدة.
صحيح أنّ الرزاز شخصية ديمقراطية جداً، وإصلاحي حقيقي، ويحمل رؤية واضحة، لكنّه في الوقت نفسه هادئ وعقلاني وتصالحي، ولا يحبّذ الدخول في الاستقطابات والصراعات السياسية والاجتماعية، لذلك وقع وسط تجاذبات شديدة بين تيارات تريد إيقافه وإفشاله وتيارات تريد تغييرات جوهرية مباشرة، وهو يحاول الوصول إلى “طريق وسطية” متدرجة، وهذا ما قد يفسر محاولته المزج بين العناصر التقليدية والجديدة في الحكومة.
الرهانات إذاً متضاربة، والحكومة الجديدة بدأت وسط عاصفة شديدة، وأمامها العديد من الامتحانات المبكّرة المفصلية، أمام مجلس نواب يتعطش لاستعادة الحضور بعدما تضرر كثيراً من المرحلة السابقة، ويريد استعادة المشهد في معركة الثقة مع الحكومة.
المطلوب أولاً خلق التناغم داخل الفريق الحكومي وبسط الحضور من قبل الرئيس على عمل الحكومة وخطابها، ويمتلك الكاريزما لذلك، مجموعة من المبادرات التي تعيد الأمل لدى التيار العام، وإعلان مبادئ محترم قوي وحضاري يترجم دعوى الإصلاح، ثم العمل على استعادة الطبقة الوسطى العريضة بصورة متدرجة.
د. محمد ابو رمان