كانت تربطني صداقة مع أحد المخرجين الكبار، وهو الأستاذ محمد الشواقفة، وكنت أرافقه أحيانا في تصوير بعض المسلسلات حتى أتعلم كتابة النصوص، وأثناء تصوير أحد المشاهد طلب مني أن أملأ الفراغ في أحد المشاهد أمام الفنان موسى حجازين، وكان المشهد ينتقد رفع أسعار البنزين، لذلك كان المطلوب أن نتفاوض على شراء حمار بدل السيارة، في المشهد وقفت بجانب الحمار وسألت إن كان الحمار فحص كامل أم مضروب مصلّح وعن بعض الإضافات فيه وإن كان شعير 90 أم 95؟! وعلى الرغم من أن ظهوري السينمائي الأول لم يتعدّ الثواني العشر، إلا أنني شعرت أنني قريبا سأسقط عادل أمام عن عرش الكوميديا، بعد ظهور المشهد على شاشات التلفاز توقعت أن يتصل بي النقاد والمخرجون للإشادة بما قدمت وربما التعاقد على أعمال جديدة، ولكن ما حصل أنني ذهبت لشراء كوسا، فقال لي صاحب المحل: الله جابك، بدنا تشوف هالحمار شو بسوى؟! جلست ساعة وأنا أقنعه أنني لا أملك أي خبرة في تقييم الحمير وأنني كنت أمثل فقط، عدت الى منزلي وفي المساء جاء ابن الجيران يطلب مني الحضور لمنزلهم لأمر مهم، ذهبت مسرعا معتقدا أن أحدا من أفراد العائلة أصيب أو مات، وإذا بجاري يستقبلني بهدوء فقلت له: خير شو في؟! فقال لي: الحقني يا جار حمارنا مفلوز ولا نعرف كيف نتصرف مع مرضه، كظمت غضبي بداخلي وأنا من كانت تصلني الدعوات للمشاركة في الندوات والمؤتمرات واليوم تصلني الدعوات لعلاج الحمير، بعد أيام عدة وجدت على باب المنزل بطاقة دعوة معتقدا أنها حفل زفاف لأحد الأقارب كالعادة، حين فتحتها وجدت أنها من جمعية الرفق بالحيوان تدعوني للمشاركة في اليوم العالمي للحفاظ على الحمير، ما كدت أنسى كل هذا الألم والوجع ومن الارتباط الجديد بالحمير حتى جاء الى منزلي أحد الطلاب لأشرح له أحد الدروس، اعتقدت أنه يريد أن أكتب له موضوع تعبير، أو أشرح له قصيدة للمتنبي، أو أن أعرب له بعض الجمل، فكان طلبه للأسف أن أشرح له درسا عن الحمار الوحشي!
من يومها اعتزلت الفن وكتابة النصوص ولم أعد أشاهد حتى روتانا سينما، لأنني احتجت لعشرات السنوات حتى نسي الناس مشهدي مع الحمار!
بكل تأكيد إذا ما عرض علي أي منصب عام أو حتى إدارة ندوة، سأعتذر بشدة لأن الحمار سيعود ليتسيد المشهد من جديد، ولن يلتفت أحد لآلاف المقالات التي كتبتها وما فيها من طروحات وطنية، بل سيلتفتون لمشهد الحمار اليتيم في حياتي السينمائية.
نعم نتفق جميعا أن تشكيلة حكومة الرزاز دون المأمول بعد أن بنيت على اختيار الرئيس آمالا كبيرة، وأن بعضا من أعضائها ليسوا بحجم المرحلة وتحدياتها العصيبة، وأن الأردنيين ملّوا من إعطاء الحكومات الفرص على حساب وجعهم وجوعهم.
ولكن، هذا النهش في حياة الوزراء الشخصية لم يكن يوما من شيمنا وعاداتنا الأصيلة، لنا أن ننتقده ونحاسبه، ولكن، ليس لنا الحق أن ندخل بيوتهم، فكيف نريد أن يخدم هذا الوزير أو ذاك بلده بأمانة وإخلاص ونحن من اليوم الأول اشترينا عداوتهم وجعلنا صورهم سيرة على لسان كل الناس!
حتى في المستقبل إذا ما أردنا اختيار أحد أبناء الوطن المخلصين والذين نثق بقدراتهم ليكون وزيرا، أعتقد أنه سيعتذر لأن له صورة وهو بحوش بعرس ابن عمه!
صالح عربيات