اخبار الاردن – مشهد مرعب رسمه رئيس الوزراء الاسبق طاهر المصري للمستقبل، بدا فيه متشائما، وإن كان يتحدث بلسان الخبير والسياسي المخضرم.
في المحاضرة التي القاها المصري بعنوان “ الحراك الوطني والتحديات المستقبلية “ في جمعية الشؤون الدولي واستهلها بوصف الزيارة التي يقوم بها جلالة الملك عبدالله الثاني الى واشنطن بانها من اخطر الزيارات قاطبة، لم يخف المصري قلقه على المنطقة عامة والاردن خاصة. قال المصري: سيكون الأردن في وضع سياسي خطير وحرج وغير مسبـــوق، مشيرا الى انه لم يعد قابلا بهذا الحل من حيث المبدأ، ولا هو قادر على حماية فلسطين وحده..
واضاف المصري ان البنك الدولي وصندوق النقد الدولي سيطرا على توجهاتنا وخياراتنا، حتى اصبح الاردن أكثر ارتهانا لنصائحه وتوجيهاته من دون ان نملك السيادة في حرية الإختيار..
وتاليا نص المحاضرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة الكرام..
أزجي شكري لوجودكم هنا ولوجودي بينكم ، وشكري موصول لجمعية الشؤون الدولية ولرئيسها الأكرم ولأعضائها..
في هذا الآوان ، ستواجه الدولة الأردنية ، بكل ما تعنيه ( الدولة ) من معاني ، تحديات حقيقية لم تواجهها من قبل .
التحدي الأول هو إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية وإدارية وإجتماعية حقيقية وشاملة ، تأخرت كثيراً ، ووُعد بها الأردنييون مراراً وتكراراً . وأصبح شعار تغيير النهج وإعادة صياغة المجتمع على أسس إصلاحية ومدنية حديثة جزءاً من المطالبات الشعبية . ولو أن هذه الإصلاحات تمت في حينه بالتدرج وبهدوء ، لكان حال الأردن والأردنيين أقوى وأفضل في مواجهة هذه التحديات.
ولكن جاء حراك الدوار الرابع في 30 أيار لكي يغير من طبيعة الحراك الشعبي بصورة جذرية ، واستقالت الحكومة تحت ضغط ومطالبة شعبية جارفة . وتأسس اليوم نهج شعبي أصبح يعرف قدراته وسوف يستعملها في مراقبــة عمل الحكومات ويصحح المسيرة . وهذا سلاح قوي للغاية ومؤثر .
أما التحدي الثاني فهو القضية الفلسطينية وما يدور منذ زمن حول تسريبات عن مشروع ( صفقة القرن ) . وهي صفقة أعدت لصالح إســرائيل بالكامل وبدون اعتبار للحقوق الوطنية الفلسطينية ولا للشعب الفلسطيني . ولا يمكن قبول ما يتسرب من هذه الصفقة من أي جهة فلسطينية أو أردنية ، ولن تقدم حلاً لأعقد قضية تشغل العالم بأسره منذ عقود من الزمن . هدف الصفقة هو تكـريس أرض فلسطين التاريخيـــة بكاملهــــا لتصبح دولة إسرائيل ذات الصفــة
اليهودية وعاصمتها القدس . وعلى هذا الأساس ، سوف يغلق ملف فلسطين نهائياً ويفتح بدلاً عنه ملفات وحلول أخرى يكون الأردن أساسياً فيها والغريب أن المجتمع الدولي والعرب يتعاملون مع هذا الامر باعتبار أن الولايات المتحدة هي صاحبة الحق في تقرير مصير فلسطين ولا أحد غيرها بما فيهــم الأردنيون والفلسطينين . وكأن ترامب يملك مفاتيح الأرض والسماء .
وهنا ، سوف يكون الأردن في وضع سياسي خطير وحرج وغير مسبـــوق . فلا هو قابل بهذا الحل من حيث المبدأ ، ولا هو قادر على حماية فلسطين وحده ، ولا حل بدونه . وسيكون أمن الأردن الوطني معرضاً للخطر الجسيم في كل حالة من هذه الأحوال . سيفرض إنحياز أمريكا الكامل نحو إسرائيل ومقاطعة السلطة الوطنية الفلسطينية المفاوضات التي تدعـــو إليـــــها
أمريكا ، ونجاح أردوغان في الانتخابات الأخيرة ، ، وتداعيات ومعاني اعتصام الدوار الرابع على الوضع الداخلي ، أقول أن هذه العوامل سوف تفرض نفسها على الموقف الأردني مــن سياسات ترامب ، وسوف يجد الأردن نفسه يقترب تدريجياً من تركيا وإيران .
أما التحدي الثالث ، فهو مزيج من تداعيات التحدي الأول والثاني وتأثيره على تماسك المجتمع الأردني وقواه السياسية والاجتماعية ويقع معظمه في خانة الاقتصاد . فقد تبعثرت القوى الفاعلة في المجتمع ووقعت تحت ظلال وظروف مختلفة عما مضى . وأصبحت السلطات الدستورية الثلاث موضع نقاش واتهامات . وتعددت المصالح وتضاربت وفقدت الثقة بين الحاكم والمحكوم وأُفقر الناس وأصبح إطعام الفقراء مهمة إنسانية ملحة يقوم بها القطاع الأهلـــي
والحكومي معاً. وتراجعت قدرة الحكومات المتتابعة عن تقديم واجباتها تجاه المواطن وتجاه تحديث الخدمات .
سيداتي سادتي …….
لا أظنني هنا محتاج للكثير من الكلام بقدر حاجتي وحاجتكم للحوار ولتلاقح الأفكار وتبادلها حول ما نحن فيه اليوم من أزمات تمسك بعضها بعضاً ، وما نحن فيه من تحديات ، نواجه اليوم مطالعها ولا نعرف على وجه الدقة نهاياتها ، إن كانت سعيدة أم حزينة . وبالنتيجة فإن ما نحن فيه اليوم لا يختلف كثيراً عما كنا فيه بالأمس . وهنا تبدو معادلة الماضي القريب والحاضر ضاغطة إلى الحد الذي يصيبنا بالحيرة ونحن نتلمس واقعنا المستقبلي بعد ان عرفنا راهننــــا. وأعجب من أناس مسؤولين لم يتعظوا من دروس التاريخ ولم يفهموا
حركة الشعب الأردني في 30 ايار . ونتيجة لذلك خسروا وخسرنا فرصة تاريخية وتحولاً مفصلياً في تاريخنا السياسي .
أقول هذا لكي تلاحظوا معي أننا ونحن على بعد أربعة اسابيع فقط من الثلاثين من ايار ، اليوم الذي احتشد الناس فيه على الدوار الرابع متجمعين سلمياً ومدنياً على الحكومة السابقة شكلاً ، بينما كانت في حقيقتها تنبش يأظافرها في السياسات التي تصنع الحكومات ، والتي تفكك عن قصد ظاهر آليات صناعة القرار في بلدنا، وتشكوا في الوقت نفسه من اتساع مساحة الضغط الحكومي على الشعب.
سيداتي سادتي ،
هناك ، في الثلاثين من أيار بدا الجو مختلفاً تماماً ، احتجاج قادته النقابات المهنية وبتوافق كامل جمع الشعب على مطالبات بتغيير حقيقي ، وإضراب كان
ناجحا بكل المقاييس، وتنامي واضح لحركة الإحتجاج الشعبي فرضت بعض مطالبها على الدولة . وشعوراً منهم بالمسؤولية ، إنسحب المحتجون من الدوار الرابع على أمل تحقيق مطلبهم الرئيسي بتغيير النهج ، وليس تغيير الشكل.
وأستطيع القول باطمئنان إن الثلاثين من أيار كان نقلة نوعية في نهج الاحتجاج الشعبي الأردني . وهنا أستعين بتسمية الدوار الرائع التي استعملها اسعد خليفة لإحدى مسرحياته . هناك على الدوار الرائع أعيد تشكيل الوعي الشعبي بصورة عفوية تماماً ، لكنها وبالضرورة كانت تحتكم لميراث طويل وعريض لنضالات الشعب الأردني . هذا التصرف العاقل والمسؤول أثار مخاوف أنظمة عربية عديدة لأنهم عرفوا أبعاده وأهدافه .
لقد صنع الثلاثين من أيار واقعاً جديداً يتوجب على الدولة النظر إليه باهتمام استثنائي . ثمة تغير وتحول واضح في الوعي الشعبي يوجب التعامل معه بجدية فائقة ، وبغير ذلك ستجد الدولة والحكومة الحالية وما سيتلوها من حكومات نفسها في مواجهة مفتوحة مع الشعب في حال لم يلمس المواطن نتائج احتجاجه التجريبي على الدوار الرابع . فقد كانت في إحدى صورها تجريبا واختبارا لمدى إرادة وقدرة الشعب على التماسك والتعاضد تحت سلطة فكرة واحدة وهي فكرة المطالبة بتغيير النهج أولاً ، وفي إعتراف الدولة بمطالب الشعب والعمل على تنفيذها ثانياً .
وإعتباراً مما حدث لحكومة هاني الملقي ، فإن من يتصدى للعمل العام من الآن فصاعداً يجب أن يعلم أن العمل العام أصبح مختلفاً عمــــا قبـــــل 30 أيار .
الموظف العام شارك في الحدثين ( الاربعاء والاربعاء ) وأصبح بإمكان أي كان أن يعرض وجهة نظره خلال دقائق على المواقع . وأي خطأ أو كلمة قد توقع مشكلة كبيرة . وأرجوكم أن لا تلتفتوا إلى ما يبثه البعض بغرض التشكيك من أن الحراك مدعوم أو موحى به من دول أو جهات خارجية . عفوية الحراك كانت واضحة ومتوقعة .
واستطيع القول هنا أن الدولة بكامل مؤسساتها تقف اليوم امام اختبار مختلف ، وعليها الإعتراف بأن ما جرى قد يكون نواة وبؤرة لتكتل شعبي عريض ومتسع لديه ما يقوله وما سيقوله ، فهو يراقب ، ويستمع ويحلل ، ويخطط ، وينفذ.
لقد كان الشعب حضارياً في احتجاجه وكذلك كان تصرف الأجهزة الرسمية ، وأثبت لكل ذي مسؤولية في البلد إلى أي مدى يمكن للأردنيين الصبر والاحتمال ، لكنه يحتاج لمن يصارحه بخارطة الحال والمآل ، وأثبت الأردنيون أيضا أنهم حضاريون إلى أبعد الحدود وهم يغادرون الدوار الرابع بعد أن قرروا منح الحكومة فرصة لتحقيق مطالبهم.
السيدات والسادة الكرام..
أمام هذه الصورة المختصرة أستطيع القول باطمئنان شديد بأنه لم يعد مسموحاً لأي كان في الدولة الأردنية تجاهل ما حصل في الثلاثين من أيار ، وإدارة الظهر لما نحن فيه اليوم من وضع حالي صعب كما وصفه رئيس الوزراء المكلف ، وأستطيع وصفه بأنه الأصعب على الإطلاق في تاريخ الدولة الأردنية.
وأقول الأصعب لأن الأسابيع القليلة الماضية كشفت عن عمق معاناتنا كشعب وكدولة . وربمأ اطرح هنا تساؤلاً بسيطاً عما يمكن لنا فهمه وتفسيره من نزول طبقة المهنيين من ممثلي الطبقة المتوسطة ، والمعتدلين ، والمواطنين العاديين ممن لا تربطهم أية رابطة بتنظيمات سياسية او حزبية او ايديولوجية الى الشوارع ؟ كيف يمكن تفسير ذلك؟ وكيف يمكننا كدولة التعامل معه مستقبلا إذا ما اتسع الخرق على الراتق، وفشلت الحكومات في إصلاح أدوات الإنتاج والإقتصاد.
كانت الحكومة السابقة ترفع شعار الإعتماد على الذات وتنادي يبدأ ‘ألتكيف’ . وفهم الشعب هذا المبدأ بأنه يعني فيما يعنيه إستقواء الحكومة على مداخيلهم بالقوة والإكراه ، وحين أغرقت الحكومة السابقة في إصدار قراراتـــها
التي لاحقت بها مداخيل المواطنين ، نزلوا الى الشوارع ، واضربوا عن العمل ، واعتصموا على الدوار الرابع باعتباره مقراَ للحكومة.
وهنا لا بد من التأكيد على مسألة في غاية الأهمية وهي ان سياسة أنصاف الحلول التي اعتمدتها الحكومات السابقة لم تعد تجدي أبداً ، ونحن في مرحلة متدحرجة وسريعة لن تسمح لنا الإستمتاع بترف التمتع بانصاف الحلول ، والتسويف والمماطلة.
واسمحوا لي التوقف فقط عند اوراق الملك النقاشية ، وهي في جوهرها أفكار لزمن أردني مقبل أجمع كل من قرأها وناقشها بأنها تصلح لأن تكون بمجملها عقداً اجتماعياً جديداً تبني على أساسها تطلعات الأردنيين لوطن ديمقراطي يستند لدولة القانون والمؤسسات، ولديمقراطية متطورة شجاعة لا
تعانـــي من فوبيا الجغرافيا والديموغرافيا، ولا تستند لعقيدة الخوف الأمني ، فالدول الديمقراطية لا تبني علاقتها بمواطنيها على أساس الشك والريبة ، ولا تتطور بالانحياز الى طبقة واحدة على حساب الطبقات الأخرى . وفي الدول الديمقراطية ــ كما تعلمون ــ فإن مبدا التساوي أمام القانون ، والمساواة في الحقوق والواجبات وضمانة حرية الرأي والتعبير ، والحق في المنافسة والعيش الكريم من سكن صحي آمن ، وضمانة العمل والشغل ، والتامين الصحي ، والتعليم ، والمحافظة على الأسرة والتكافل الإجتماعي ، كلها مجتمعة تمثل قيماً أخلاقية وقانونية مشتركة في مجتمع الدولة الديمقراطية.
والدستور الأردني كفل كل هذا ، بمعنى أن لدينا الأساس القانوني للعقد الإجتماعي الناظم للعلاقة بين الشعب والدولة ، لكن لنذهب سوياً وسريعاً في رحلة استكشاف لكل تلك المباديء والقيم أين انتهت ؟ وما الذي فعلناه بها وبالشعب ؟.
واسمحوا لي أن أدعوكم لمراجعة بعضها ، لنعرف سوياً ما الذي تراجعنا عنه ؟ وما الذي أبقينا عليه..
اليوم تبدو السلطة للواسطة والمحسوبية ، ما يعني اعتداء غير دستوري وغير قانوني وغير أخلاقي على حقوق الآخرين ، مما ينتج عنه التفريق بيــــن
المواطنين ، ويعني فيما يعنيه انحياز الدولة لطبقة واحدة فقط هي طبقة المهيمنين في الدولة على حساب المستضعفين من الطبقات الأخرى ، ولكــــم أن
تتصوروا معي ما يمكن أن ينتج عن كل ذلك من مشكلات تخدم كلها ظاهرة انخفاض الولاء للدولة، والشعور بالظلم والقهر والغبن ، بمعنى الشعور بأن استبداد السلطة تعمق اكثر مما يجب، ويظهر ذلك في الفساد الذي استشرى ودب في مختلف مفاصل الدولة والمجتمع.
السيدات والسادة الكرام..
لنعد قليلاً إلى السنوات الماضية لإحصاء عدد المشاريع واللجان والبرامج التي تأسست وانتهت إلى ملفات الحفظ والنسيان . وقد تحولت إلى ما يشبه قصة الراعي والذئب والقرية التي تعرفونها جيداً ، ولكثرة واتساع تلك المشاريع واللجان على مدى العقود القليلة الماضية دون ان ينتج عنها شيء ، أصبح المواطن لا يثق بكل ما تنتجه الدولة من تلك اللجان والخطط والمشاريع ، ومن
هنا بدات قصة اهتزاز أوتار الثقة بين الشعب والدولة والحكومات، وظهرت الدولة وكانها تعاني من انفصام في شخصيتها ، ولم يعد الشعب يصدق ما ينتج عنها ، تماماً كما حدث مع اهالي القرية حين لم يعودوا يصدقون تحذيرات الراعي من هجوم الذئب على اغنامهم .
لقد أعلنت الحكومة أنها بصدد وضع ميثاق لعقد اجتماع جديد . وأنصح الحكومة أن لا تحيل هذا الأمر إلى لجنة جديدة قد تتهم بأن هدفها هي المماطلة وكسب الوقت . بل أن تقوم مجموعة فنية بجمع أفكار وتوصيات هذه اللجان وعلى رأسها الأوراق النقاشية لتخرج خلال اسابيع قليلة بوثيقة شاملة وتلبي طموحات الأردنيين .
السيدات والسادة الكرام..
يجــب ايقاف هذا الترهل الذي نشهده اليوم في كل مفاصل الدولة والمجتمع ، وقد قلت ذلك كثيراً في مناسبات عديدة ، وفي محاضرات ومقالات نشرتها الصحافة المحلية ، وخلال الأشهر العشرة الماضية كنت أحذر باستمرار من تنامي حالة النكران الرسمي لواقعنا الذي نعيشه ، بل وتوقعت محذرا ًمن نزول الشعب للشوارع احتجاجا ًعلى سياسات عبثية تتقن الحكومات ــ للأسف ــ انتهاجها وفرضها على المواطنين، وقلت ولم أزل أقول ، لقد آن الأوان لكل مسؤول في موقعه الإستماع للشعب، والخروج من حالة النكران ، التي أنتجت أزمات جديدة لنا ، في الوقت الذي عززت من أزماتنا القديمة. وعلى كل مسؤول الإعتراف بمشكلاتنا وبالتحديات التي تواجهنا ، واول تلك المشكلات وأعمقها هو
تنامي الشعور الشعبي بتعرضه للخذلان من الدولة والحكومات وأنها لم تعد تراعي وضعه المعيشي ، وهو الشعور الذي ساهم بتعزيز وتوليد كل المشكلات القائمة حالياً بين الشعب والدولة.
نعم هناك مشكلة مزمنة حالياً بين الشعب والدولة ، وعلى الدولة الاعتراف بذلك والعمل على معالجة ذلك ، وعلى الدولة والحكومة معاً إقرار سياسات جديدة تماماً تكفل حق المواطن الإطمئنان الى طرق صرف الضرائب التي يدفعها للدولة. وأقترح على أن تقوم حكومة الدكتور عمر الرزاز على اتخاذ قرارات وتحديد سياسات تتعلق بتغيير النهج وبإعادة الولاية العامة لأصحابها حسب الدستور وأن تقدمه إلى مجلس النواب مع مناقشة البيان الوزاري أو قبل ذلك .
واقول ذلك استناداً الى مثل واحد اسمحوا بالتوقف عنده وهو قرار الحكومة السابقة بمعالجة مشكلة التهرب الضريبي ، وهو مبدأ تعلمون صحته واهميته ، لكن الحكومة لم تعمل ( في المقابل) على سد الثغرات في أوجه إنفاق العائد الضريبي ولا استطاعت إقناع المواطن بوجود ضريبة الدخل ، وفرض الرقابة الصارمة على وجوه إنفاق العائد الضريبي ، وانعكاس ذلك على المواطن من تعليم جيد ، وتامين صحي جيد ، وضمان شيخوخة كريمة صالحة ، والحق في العمل ، وفي التنافس..الخ ، وهذا ما يتوجب على الحكومة الحالية إنجازه سريعاً حتى تردم جزءاً من الفجوة بين الدولة والحكومات من جهة وبين الشعب من جهة أخرى.
السيدات والسادة الكرام..
هنا يمكن التوقف مطولاً امام مفاتيح المستقبل الأردني في المنطقة والإقليم ، وحتى لا اطيل عليكم فإنني أعتقد أن الأردن لم يعد يملك حزمة المفاتيح التي كان يملكها سابقاً ، فالقضايا الجوهرية الكبرى أصبحت مفاتيحها في أيدي لاعبين آخرين ولننظر ملياً الى صفقة القرن ، التي سنتحول فيها الى الخاسر الأكبر بعد الفلسطينيين ، وستكون خياراتنا في هذه الصفقة ضيقة لأن الأردن يتعرض منذ مدة إلى ضغوط هائلة لكي يسير فــي ركب الحل أو الأحرى التصفية التي سوف تعرضها إدارة ترامب . وعلينا جميعاً شد أزر جلالة الملك في مواقفه المعلنة حول حل القضية الفلسطينية وإظهار دعمنا له أمام العالم . وما زيارة نتنياهو وكوشنير والعديد من قادة العالم إلا أحداث تصب في هذا الهدف . وزيارة الملك إلى البيت الأبيض ستكون من أخطر الزيارات قاطبة .
وأدعوكم أيضاً للتحقيق في ملفنا الاقتصادي ، فلم تعد لدينا مفاتيح كافيــة لإدارة خزانتنا الاقتصادية والمالية بالسيادة التي يتوجب توفرها فينا ، فقد سيطر البنك الدولى وصندوق النقد الدولي على توجهاتنا وخياراتنا وأصبحنا أكثر ارتهانا لنصائحه وتوجيهاته دون ان نملك السيادة في حرية الإختيار..
السيدات والسادة الكرام..
لقد أطلت واظنني أمللت ، وليس لي غير إبداء كامل الإحترام لصبركم ولسعة صدركم، ولإحتمالي طيلة هذا الوقت ، وأظننا أحوج هذا اليوم أكثر مما نكون لنتحاور ونتبادل الأفكار وهي مهمة اتوق اليها..
شكرا لكم ودمتم