كتّاب

النقدُ سَعدٌ و التجريحُ قبيح!!

على هدير جلسات الثقة (2-3)
في تسعينيات القرن الماضي، كانت السلطات الأمنية السورية، تغلق مجال سوريا الأثيري، في وجه إشارة التلفزيون الأردني، الذي كان ينقل جلسات خطابات طلب الثقة النيابية وجلسات مجلس النواب الأردني السياسية! وأعتقد أن السلطات العراقية كانت ستمنع وصول البث التلفزيوني الأردني لو كان البث يقطع المسافات الواصلة بين الأردن والعراق.
وكانت جلسات مناقشة طلب الثقة تحظى بنسبة مشاهدة عالية جدا جدا من الجمهور الأردني المتعطش لسماع مناقشات سياسية مشحونة بالمعلومات والأرقام والنقد السياسي العالي الرفعة، واضرب مثلا كلمات النواب فخري قعوار وعبدالله العكايلة وليث الشبيلات وحسين مجلي وعبدالكريم الدغمي ورياض النوايسة وعيسى المدانات وسليم الزعبي وعبدالرؤوف الروابدة وسليمان عرار وعبداللطيف عربيات  وحمزة منصور وفارس النابلسي وذوقان الهنداوي ويوسف العظم واحمد قطيش الازايدة وبسام حدادين ومحمد فارس الطراونة ونزيه عمارين .
وقال لي محمود الكايد رئيس تحرير صحيفة الرأي، يرحمه الله، إنه عمد الى نشر كلمات جميع النواب كاملة، ليبرر نشر كامل كلمتي، التي وصفها بالسبيكة، في مناقشة طلب الثقة بدولة رئيس الوزراء الدكتور عبد السلام المجالي في 7 كانون الأول عام 1993.
إن وقائع جلسات الثقة النيابية هي مؤشر بارز على حيوية شعبنا ونظامنا السياسي، وكثيرا ما أعرب لي إخوة عرب مقيمون في الأردن عن دهشتهم واستغرابهم وتعجبهم من قدرة رؤساء الوزرات على تحمل النقد السياسي الذي يسمعونه تحت القبة مع إعرابهم عن رفض التجريح والتنمر والاستقواء من بعض الأصوات النيابية على رؤساء الوزارات والوزراء والمسؤولين.
وفي الخلفية أن هذه المناقشات بهذه الحيوية والشجاعة والقوة وشحنات النقد السياسي البالغة الشدة – ولا أقول الحدة- ما كانت لتتم وترى النور وتسري في الشبكات، لولا أن النظام السياسي الأردني، على درجة موازية من الحكمة والرشد والثقة والإقرار بالتعددية السياسية وأهميتها ووجوبها.
نعم للنقد الكاشف البناء المؤشر على مواطن الخلل وعلى الثغرات؛ فلا يوجد كمال الإ لله، والتشكيلات الوزارية كلها لم تخل من الزلل و إن بمناسيب متفاوتة، ولا كبيرة هائلة مدوية للصمت والإغضاء والمجاملة على حساب الوطن ولحسابات شخصية.
نتطلع أن تدور، في كل حواراتنا الوطنية والشخصية، مناقشات تكون نموذجا في الخطاب السياسي والسجال العالي الرفعة، لا تهجم فيها ولا تجريح ولا قسوة ولا غلظة ولا فظاظة ولا جلافة؛ فنحن وأبناء شعبنا نتطلع الى مناقشات الثقة بأن تكون دروسا في الأدب والسياسة واللغة والاقتصاد والوعي والنقد القوي البناء والرقابة والفصل بين السلطات وعدم التغول والتنمر والاستعراض.
والعنف اللفظي، مؤشر على العنف البدني الشخصي!!.
محمد داودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *