وصلت قبل يومين، الى عمان، عبر مطار الملكة علياء الدولي، وكانت الساعة تشير الى منتصف الليل، تقريبا، وتصادف وصول الطائرة الى عمان، مع وصول طائرات اخرى.
مئات المسافرين من كل الجنسيات، والاردنيون لديهم مسارب خاصة، واذ تقف مشدوها امام المشهد، تعرف مسبقا، انك بحاجة الى ساعة حتى تختم جواز سفرك، جرّاء الضغط الشديد، فيما الاجانب ممن بحاجة الى تأشيرات يذهبون الى مسارب خاصة، لانجاز امورهم.
تتذمر من المشهد، فأنت قادم من مكان بعيد، ومرهق، وهو امر يتكرر في مطارات كثيرة، وليس حكرا على مطار الملكة علياء، لكنك هنا، في بلدك، فتتذمر على راحتك، دون ان تخشى احدا، فيأتيك احدهم ويقترح عليك اذا كنت مستعجلا ان تذهب الى مسرب، يسمى المسار السريع، كي تختم جوازك وتخرج.
تخرج من الطابور الطويل، فيوقفك في طريقك الى المسار السريع، شاب ثلاثيني، يقول لك عليك ان تدفع سبعة دنانير، من اجل ان تختم جواز سفرك ولا تتأخر، وبيده دفتر يمنحك منه وصلا رسميا، بقيمة سبعة دنانير، فتذهب الى المسار السريع، واذ بعشرات مثلك فروا من الطابور الاكبر، الى الطابور الاصغر، ولا سريع، ولا ما يسرعون، لان العشرات اضطروا ايضا ان يدفعوا سبعة دنانير، من اجل الخلاص من الازمة في المطار.
تقف لدقائق، وتسلم الموظف وصل السبعة دنانير، يختم لك سريعا، وتسمع تذمرا اسوأ ممن خلفك، فاحدهم يقول دفعت للموظف عشرة دنانير، ولم يعد لي الثلاثة، وآخر يقدح كل ما يخطر ببالك من مستويات واسماء، متسائلا عن الكيفية التي تسمح لاحد ان يجبر المتعبين ان يدفعوا سبعة دنانير لدخول بلدهم، وثالث عربي، يقول ما هذا البلد، الذي تدفع فيه من اجل ان تختم جواز سفرك بسرعة، والتعليقات لها بداية وليس لها نهاية؟.
في كل مطارات الدنيا، هناك خدمات لتسريع الاجراءات مقابل مبلغ مالي قليل، لكن المشهد في المطار كان مؤسفا جدا، اذ ترى الموظف بدفتره ووصول الاستلام، يقف وقد احاط به عشرات المسافرين، متوسلين ان يدفعوا من اجل ان يدخلوا، فتتأمل حال البلد والى اين وصل، تدفع عند الخروج، وتدفع عند الدخول، وتدفع في الحياة، وتدفع عند الموت، وتدفع حين تغضب، وتدفع حين تشعر بمسرة.
كيف يمكن لبلد ان يروج للسياحة والاستثمار، ان يستقبل المسافرين بهذه الطريقة، ويدفعهم دفعا لدفع سبعة دنانير، لدخول وطنهم، او البلد، وهل يمكن ان تتم تغطية هذه الخطوة، بكونها خطوة مبتكرة لتسهيل مرور المسافرين، ام ان بلد الجباية يعلن عن نفسه منذ لحظة الوصول، في مشاهد مهينة لسمعة بلد محترم، يتم تقديمه الى اهله والعالم، باعتباره لا يعرف سوى جني المال، بكل الطرق المقبولة او غير المقبولة؟!.
في مطارات اخرى مثل مطار دبي، هناك تجهيزات مجانية، تسمح لحامل هوية الاقامة، ان يستعملها الكترونيا ويدخل الى الامارات، وعندنا يجري العكس، فبدلا من التسهيل على الاردنيين وغيرهم، يتكدس المئات، وامامهم عدد قليل جدا، من الذين يختمون الجوازات، فيضطر المسافر الى الهروب نحو طابور اقل، ودفع سبعة دنانير، وعلينا ان نتخيل مشهد العائلات والامهات والجدات والاطفال، حين لا يستطيعون اساسا الوقوف في طابور طويل، لوقت اطول، فتضطر كل عائلة، ان تبحث عن حل، من اجل دخول وطنها، فيدفع الاب مرغما سبعة دنانير عن كل فرد.
ملف الممارسات داخل المطار، ملف بحاجة الى مراجعة، ولا بد من فتحه على مستويات نيابية واعلامية، لان الهدف، نهاية المطاف، ليس الاساءة لاحد، بل وقف اي ممارسة خاطئة، مثل التي تجري هذه الايام، وهي ممارسة غير مقبولة، وقد نفهم وجود خدمات لتسريع انجاز اجراءات السفر، لكن ختم الجوازات تحديدا، مهمة رسمية، لا يجوز ان يدخل عليها اي طرف، على طريقة السبعة دنانير، فيختلط الامر على كثيرين، ولا يعرفون الصلة بين ختم الجوازات، ونوعية المسارب، والرسوم، ولمن يتم تحصيلها، قطاع عام، او خاص، وهذا بحد ذاته جانب حساس للغاية.
قد يجد الرئيس وقتًا، لزيارة المطار، دون ترتيب مسبق، وليسمع بنفسه، من المسافرين، وكل القطاعات في المطار، الذي يعد وجه البلد، وواجهته وعنوانه، ومطلع سمعته.
ماهر ابو طير