زمان في الأعراس كانت أم العريس تجلس على الباب لتوّزع (المطبقانيات).. وهي عبارة إما عن مكتات أو كاسات ماء فيها بعض الحلوى والملبس بحيث إذا غامرت وأكلت منها تكون النتيجة سقوط صف أسنانك الأمامية فهي مصنوعة من زمن الأسكندر المقدوني، وكانت كلما خرجت سيدة من الحفل تعطيها (مطبقية) واحدة فقد كانت تؤمن بالعدالة الأجتماعية، وإذا ما عادت إحدى السيدات إلى الحفل مرة أخرى طمعا في ثانية وظنّا منها أن أم العريس لن تتذكرها، كانت أم العريس تقف لها بالمرصاد وتذكرها بأنها أخذت حصتها فقد كانت تجسد مفهوم النزاهة والمكاشفة وتعاتبها على فعلتها المشينة بأن ناقصكو (مكتات)!
كانت أم العريس لها أولويات.. وكانت تعطي الغريبات وأهل العروس أولا حتى تظهر مدى الاحترام للأنسباء الجدد، أما أقاربها فتبقيهم إلى آخر الحفل فإذا ما زاد أعطتهم وإذا لم يتبق كانت تعدهم على عرس ابنها الثاني بأن تحسب حسابهم.. العجيب أن أم العريس كانت تضحي وتقف على الباب طوال الحفل ولم تكن تتزحزح حتى لو جاء فيضان، وذلك خوفا من تكليف مهمة التوزيع لغيرها، فتدخل المحسوبيات والواسطات في توزيع المطبقانيات وقد تذهب إلى غير مستحقيها في غياب سلطة القانون!
برأيي أن أم العريس حققت مشروعا نهضويا صادقا وواقعيا وعبرت بالعرس إلى بر الأمان، من خلال عدالة التوزيع، والمكاشفة والمحاسبة، وترسيخ سلطة القانون، وإن أردنا مشروع نهضة فيكفي أن نتعلم من أم العريس كيف كانت توزع المطبقانيات.
بعض مناطق في عمان الغربية لا تجد بها (هسهسة) بينما في مناطق أخرى تجد أن رأس الفار أكبر من رأس ترامب.. إذا كان حتى في (الهسهس) لا توجد عدالة اجتماعية يمكن أن تكون منطلقا لمشروع نهضة!
ما نزال نعيد تعيين وزراء جربناهم ألف مرة وفشلوا ألف مرة ولم نعاتبهم مرة على عودتهم، هؤلاء لم يستطيعوا ان يحققوا تنمية ومديونية البلد صاعين قمح، فكيف نعيد تعيينهم ليحققوها والمديونية اليوم بعشرات المليارات، بعضهم لا يستطيع من الدسك أن ينهض من السرير وحده فكيف نحلم بأنه من الممكن أن ينهض ببلد!
اليوم تفكرون بقانون انتخاب جديد بكل تأكيد سيصاغ ليأتي بنائب كل همه أن ينقل حارس مدرسة، بينما من المستحيل أن تفكروا بالعودة لقانون 89 حتى ننتقل بالبلد إلى مرحلة جديدة من الديموقراطية الحقيقية، تريد أن تنهض وقوانين البلد أصبحت تسن في ظل تلك المجالس بأربع دقائق بينما سلق البيض يحتاج الى عشر دقائق!
أولوية بعض المسؤولين إن خصص لنفسه مصعدا خاصا يمنع منعا باتا أن يستخدمه غيره، بينما حين يأتي المستثمر نرشده الى بيت الدرج حتى يصعد لإتمام معاملته، كيف سننهض وهذه العقلية المتعجرفة موجودة في مؤسساتنا حيث أنها لا تؤمن بحق الغير باستخدام المصعد حتى تؤمن بحقها بالخدمة وتسهيل الإجراءات!
رغم أننا رفعنا حتى أسعار الخروع لسد العجز المالي الا أن بعض المسؤولين اشتروا صواني فضة من موازنة الدولة، فهل تنهض الدول بالفساد وعدم الشعور بالمسؤولية الوطنية، أم تنهض حين نطربق الصواني فوق رأس ذلك المستهتر حتى يكون عبرة لغيره!
للعلم فقط ونحن نتحدث عن مشروع نهضة لإتمام بعض المعاملات الحكومية ما نزال بحاجة إلى ورقة من المختار، لذلك إذا ما فكرت جيدا كيف تسير الأمور في البلد ليس فقط مستحيل أن ننهض بل مستحيل أن لا ننجلط!
صالح عربيات