كتّاب

ارحل يا رزاز!!

التاريخ لا يكرر نفسه أبدا. ولا يعبأ بالرغبات الذاتية لإعادة الموقف ذاته، فلكل لحظة مجيدة سياقها الخاص. وكان هيجل قد قال مرّة أن التاريخ يتكرر مرتين فصححه ماركس لاحقا بالقول إذا حدث في المرّة الأولى جدّيا ففي الثانية يكون هزليا.
نسخة الجمعة الماضية كانت باهتة ومتواضعة إذا كان الداعون إليها أرادوا استعادة احتجاجات الرابع بنفس الزخم الذي أدّى للإطاحة بحكومة الملقي. وبالفعل فقد كان التجمهر أكثر تواضعا وشارك في اليوم الأول بضع مئات وفي اليوم التالي أقل من ذلك بكثير. ومع التقدير لعزيمة المشاركين فإن الأمر كله كان يحتاج إلى مقاربة مختلفة لفكرة الاحتجاج وموضوعها وآليتها. وكان واضحا لي أن الدعوة تفتقر للتقدير الصحيح قرأت أن البرنامج هو الاعتصام اليومي على نفس طريقة احتجاجات رمضان. وبالمناسبة فإن أحد عوامل النجاح في ذلك الوقت هو أننا كنا فعلا في صيف رمضان والناس عن طيب خاطر تذهب لتسهر هناك بعد الإفطار وحتى السحور، ولا أقول أن ذلك كان الأساس لكنه كان عاملا إيجابيا مواتيا.
مع توفر كل العوامل الضرورية الأخرى فإن تحركا احتجاجيا بالإضراب أو الاعتصام أو أي وسيلة سلمية أخرى يجب أن يكون له موضوع وهدف وهذا ما غاب عن الدعوة الأخيرة. هل كان الموضوع هو ضريبة الدخل؟ فالقانون تم إقراره وأصبح وراء ظهرنا أما إسقاط حكومة الرزاز فلا معنى له ؟ لقد جاءت الحكومة أصلا نتيجة إسقاط الحكومة التي قبلها فماذا يعني طلب رحيلها الذي هتفت به الشعارات؟! هناك منطق وسبب للاحتجاج لكن كيف؟ ومن أجل ماذا؟ هذا ما كان يجب أن يختلف، وهو ما يجب أن يفكر به الشباب الذين تولوا إسقاط حكومة الملقي وأعتقد أن أغلبيتهم استنكفوا عن المشاركة يوم الجمعة كما هو حال النقابات والأحزاب ومنظمات مجتمع مدني ونشطاء مواقع التواصل.
ما أزال أعتقد أن الحكومة التي جاءت لتغيير “النهج” يجب وتستطيع أن تفعل أكثر،  وأن عنوان النهضة المطروح لبرنامجها لا يمتلئ بنفس الحجم بالقرارات والإجراءات وأن الرئيس الذي يطرح رؤية بالإجمال وبالتفاصيل جميلة وممتازة ونتفق معها كليا يترجمها بكثير من التحفظ والحذر وبشيء أكثر تواضعا بكثير – على مستوى الإجراءات والقرارات – ما يمكن أن يحقق التعبئة العامة خلف المشروع، بلا أن كل ما يحصل حتى الآن لا يكاد يخرج عن المألوف. وقد قرأت تعليقات من خبراء إداريين على حزمة القرارات المتعلقة بالإصلاح الإداري ( الغد أول أمس) تقول أنها لم تأت بجديد عما هو موجود بل تكاد تكون نسخة عن معايير ومرجعيات جائزة الملك عبدلله الثاني للتميز. نقدر بعض الخطوات مثل إنشاء منصات للتواصل لكنها طبعا غير كافية، وعلى كل حال سنعود لنناقش بعض تفاصيل خطة العامين المقبلين وربما مخرجات خلوة اليومين إذا كانت تمخضت عن ثمار محددة.
لكن تجدر الإشارة إلى أن تراجعا ما في الأولويات يبدو أنه حصل على مستوى الإصلاح السياسي فبعد الإعلان عن توجه لفتح حوار حول رزمة القوانين والأنظمة المتعلقة بهذا المحور قرأنا أن الأولوية الآن  لقانون اللامركزية وقد تكون الحكومة لا ترغب باستفزاز النواب الذين يخيفهم التبكير بطرح قانون الانتخاب كمؤشر على حل مبكر للمجلس لكن هذا خطأ جسيم إذ يجب أن يكون واضحا أن تعديل كل القوانين بالتزامن من منظور إصلاحي يهدف إلى تمكين الساحة السياسية من التكيف للانتخابات المقبلة وفقا لأهداف الإصلاح وسنتان ليستا بالفترة الطويلة أبدا لذلك.

جميل النمري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *