كتّاب

تخيل.. الحكومة تريد إسعادك!

عندما نذھب لمراجعة موظف حكومي، أولھا نقف أمامه كما یقف العسكري امام الباشا، ومن ثم بنصبح علیه كما یصبح العریس على عروسته: من یسعدلي ھالصباح الى صباح العسل الى صباح الورد والیاسمین.. وبعد أن یذھب صوتنا من كل ھالصباحات التي یعجز عنھا دیك في ریعان الشباب یطل علینا الموظف بطرف عین لیقول لك: ھلا، ومن ثم تبدأ بالدعاء له كما لو أنه شحدك ألف دینار او سیطوب لك دونم أرض: الله یقویك، الله یعطیك العافیة، الله یحییك، الله یوفقك، الله یخلیلك أولادك، فیقول لك بعد أن یرفع حواجبه شبرین: أھلین!.. بعدھا تبدأ بصرف الألقاب له كما لم تصرف لصلاح الدین الأیوبي في زمانه: یاسیدي، یابیك، یا معالیك، یاعطوفتك، یا سعادتك، یا ناصر الأمة، یا فاتح القدس.. ومع أن ھذا المدیح لا تقوله حتى لحماك عندما تطلب ید ابنته إلا أنه لا یرد إلا بكشرة لیقول لك: ھات المعاملة!
تتوقع بعد ھذه المرافعة الطویلة التي تكفي لتخفیف حكم بالقتل من رقتھا، ان یتساعد معك الموظف ولا یمرمطك، فتتفاجأ أنھ بعد أن ینظر في المعاملة ویجدھا كاملة إلا وأن یبحث عن نواقص فیطلب: صورة عن شھادة المترك، ورقة تثبت ساعة ولادتك، شھادة تایكوندو، وتقریر طبي انك حاصل على مطعوم الحصبة، وورقة من المختار تثبث أنك ابن فلانة وأبوك فلان وكأنھ المختار كان حاضرا معك في غرفة ولادتك، وبعد أن تحضر كل ذلك یقول لك بعدھا: ناقصھا بس ورقة تثبت انك داخل الأردن، وكأنك بتحكي معھ على السكایب من كوكب الزھرة!
مع ھذا الشقاء والعناء وفقدان الأمل بتحسین الخدمات الحكومیة.. إلا أنني سعدت حقیقة بتدریب عدد من قیاداتنا الحكومیة على السعادة في برنامج تدریبي تم عقده في دولة الإمارات ویھدف الى تأھیل الموظفین وتمكینھم من تقدیم خدمات تحقق السعادة للمتعاملین والجمھور.
نرید أن نسعد المراجع خطوة نقدرھا ونحترمھا، فھل سنسعده بابتسامة عابرة سرعان ما ستتبخر عندما نقول لھ: روح ادفع حتى بدل النفس الذي تتنفسھ داخل الدائرة، وطوابع خدمات مع ان كل حمامات الدائرة ما فیھا حتى ماء للوضوء، ومن ثم تنصدم انھ حتى رسوم بدل حبر الطابعة تدفعھ من جیبك وتكتشف ان الحبر أغلى من زیت الزیتون، فھل سیخرج من دائرتھم في ھذه الحالة سعیدا ام تعیسا عندما لا یملك حتى أجرة العودة الى المنزل!
تریدوننا سعداء.. والمراجع یصبح ملفھ من طلبتاكم اكبر من ملف ایران النووي، وبین ورقة ناقصة وموظف مجاز وسیستم معطل وروح تعال، فإن المراجع لإتمام معاملتھ قد تستغرق من المراجعات والوقت والجھد اكثر من مراجعة امراة حامل لطبیب نسائیة لإتمام ولادتھا، فھل ھذا سیخرج من دائرتكم سعیدا ام مجھدا سیذھب فورا لطبیب قلب!
السعادة تصنعھا الحكومات، بتخفیف الأعباء المالیة، بعدم اللف والدوران بالرسوم والطوابع والبدلات، بتأھیل الكوادر الحكومیة وتواجدھم على مكاتبھم، بمحاربة الفساد والواسطة والمحسوبیة، بعدم تخصیص مصعد خاص وموقف خاص وكولر خاص وطابق خاص لحضرة جناب المدیر وكأنھ مصاب بمرض معد ویجب عزلھ.. بینما المطلوب أن یفتح باب مكتبھ ویخدم
ابناء بلده!
قبل الدورة التدریبیة تریدني سعیدا.. على الأقل خلي الموظف بالأول یطل بوجھي بدل ما یطل بتلفونھ!

صالح عربيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *