بقلم: الدكتور ذوقان عبيدات
كتبت في مقالة قبل أربعة أيام عن كتاب اللغة العربية للصف السابع، لم تستوعب كل ما يجب أن يقال، ولذلك أستكمل بدءًا من ردود فعل المواطنين، الذين لم يصدقوا أن خطاب الدولة لشباب 13 سنة يمكن أن يكون خطاب الزهد والزاهدين في الحياة، وتوجيههم إلى كتب الزهد:
حَتّى مَتى أَنتَ في لَهوٍ وَفي لَعِبٍ
وَالمَوتُ نَحوَكَ يَهوي فاغِراً فاهُ!!
يعني الدولة تتهم الأطفال في سنّ 13 أنهم غارقون في اللهو، وغير آبهين بالموت الذي سيلتهمهم غدًا!!
هل هذا هو خطاب الدولة للشباب؟
أم هو خطاب ضد خطابها؟
وليت الأمر يتوقف هنا، بل قالوا لشباب 13 سنة: مَنْ لم يَمُتْ بالسيفِ ماتَ بغَيره!!
يعني الدولة تريد من أطفالها أن يسرعوا للموت بحد السيف، بما في هذا من رمزية!!!
امتلأ الكتاب بعبارات مثل:
– وكل ذي أجل يومًا سيبلغه ص58.
– الانغماس في اللهو والملذات.
– اغترار الإنسان بزخرف الدنيا.
– يا بائع الدين بالدنيا وباطلها ص59.
أعود إلى ديوان في الزهد ص60.
حتى متى أنت في لهو وفي لعب؟ تكررت خمس مرات لفرط حاجة الشباب ذوي 13 لها!.
– إن الشقيّ لمن غرّته دنياه.
– وكل ذي أجل يومًا سيبلغه.
– هذه عبارات لا اعتراض على مضمونها، لكن هل أطفال الـ 13 هم المعنيّون بها؟!
– مرة أخرى: هل هذا ما تريده الدولة من أطفالها؟ أن يستعدوا للموت الذي فغر فاه؟
معالي د. توق، ما رأيك؟
لم أتلقّ ردّا من المركز الوطني ذي الستة وستين مراجعًا، بالإضافة إلى عشرات الداعمين من مراجعين “تربويّين” أقرّوا خطاب المركز إلى أطفالنا بضرورة الزهد في الحياة، والاستعداد للموت!
ولكني تلقيت ردّا عدّد لي أخطائي اللغوية، وطالبني بالسكوت!
عرضت هذه الانتقادات على مجموعة لغويين، وحكموا بأن كل الانتقادات اللغوية كانت من أحد هواة اللغة وأنها خاطئة! وها أنا أشرككم فيها:
قال الناقد:
– أعين، وليس “عيون”.
– تأريخ، وليس “تاريخ”.
– إجا تايكحلها، مش “إجى”.
– الجسماني، وليس “الجسمي”.
أجمع اللغويون أن “عيون” صحيحة وهي جمع كثرة، و”جسمي” صحيحة، و”تاريخ” صحيحة، وهذه الكلمات متداولة جميعها في العربية، واستخدمها جهابذة لغة كثيرون يُعتدّ بفصاحتهم.
أما “إجى” فهي صحيحة جدّا لأنها وردت بين علامتي تنصيص يعني هكذا “إجى” وهذا حق لأي كاتب.
المهم لم أبحث في دوافع الناقد ولا في احتمال من “ورشعه” عليّ ممن عجزوا عن الرد تربويّا على نقدي للكتاب!!
(01)
الوقت كالسيف
ورد في ص10 أن: الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك!!
هذه نظرية المركز الوطني للمناهج؛ وأقول: هناك في الإدارة- ومعالي الدكتور توق يعرف ذلك _ خمس نظريات في إدارة الوقت وفق النظريات الإدارية المختلفة:
أولًا: النظرية التقليدية الأوتوقراطية؛ وهي ترى الوقت كالسيف، يعني كل دقيقة سوف تحاسب عليها، وهذا سبب من أسباب تراجع هذه النظرية!
ثانيًا: النظرية الإنسانية؛ وهي ترى الوقت فرصة لاستثماره في بناء علاقات سليمة مع العاملين، وبينهم.
ثالثًا: النظرية السائبة؛ وهي ترى الوقت طويلًا لا بداية له، ولا نهاية.
رابعًا: الإدارات الناجحة من موقفية، وتحويلية، ونفعية؛ وهي ترى الوقت من ذهب، بمعنى أنه معدن ثمين جدّا، وعلينا أن نتعامل معه بإتقان ومسؤولية.
خامسًا: الإدارات الفعالة؛ مثل إدارة التنوع، وإدارة التغيير، وإدارة المستقبل، والإبداع، وإدارة البهجة والسعادة، وكل هذه الإدارات ترى الوقت استثمارًا يجب توظيفه؛ لإحدات نتائج مستقبلية!. وكل هذه النظريات صديقة للإنسان، وللإبداع، وللتطوير ما عدا النظرية الأوتوقراطية المتسلطة، فلماذا اختارها مؤلفو الكتاب، وقُرّاؤه الستة والستون (زائد عشرين، زائد مراجِعَين تربويين اثنين) لتوجيه أطفالنا؟!
طبعًا الجواب سهل ما دام عليهم الاستعداد للموت الذي يداهمهم: “مصابح ومماسي”!! وفق لهجة الفلّاحين. فلا مستقبل لديهم لكي يستثمروا فيه! إذ يترتب عليهم الاستعداد للموت، وأمامهم سيف الوقت، ومن خلفهم سيف الموت! فأين المفرّ يا من قضيتم حياتكم في العبث واللهو؟ ويبدو أنهم معجَبون بهذا البيت الشعري؛ لِما فيه من معانٍ إنسانية باقية، ودعمٍ للشباب، لدرجة أنهم كرّروه ثلاث مرات في الكتاب.
(02)
من شيم الكِرام والبيئة
وحدات كاملة حدثوا الشباب فيها عن السّمَوأل، وكيف دفع حياة ابنه ليَفِيَ بعهده وأمانته؟! وكانت كل الوحدة وأمثلتها بعيدة عن حاجات الشباب:
تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا. فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
وفي البيئة حدثوا الشباب عن انقراض بعض الكائنات بدلًا من كيفية الحفاظ عليها، وحدثوهم كيف خدع الأرنب الأسد!
ملاحظة: منهاج وزارة الشباب يتّسم بالتفكير والإبداع، واستشراف المستقبل أكثر من المناهج التي يعدّها المركز الوطني لتطوير المناهج.
(03)
التفكير والإبداع
خلا الكتاب من كلمات مثل: التفكير، والإبداع، والأسئلة. ربما اجتهد المؤلفون في وضعها بكتاب آخر للتدريبات، لا أعرف، ولم تصدر بعد مثل هذه الأمور، لكن مهما كان الوضع، فإن سياسة المركز الوطني هي وضع مراجعة للوحدة، مع أسئلة ومواقف تفكير، وهذا شائع في جميع إصدارات المركز عدا اللغة العربية، ولعل هذا يهون إذا عرفنا أن الكتاب خلا من ذكر أي هدف يقوم به الطالب، بمعنى سلوك أو نتاج، واكتفى المؤلفون بذكر عبارات غير مرتبطة بما سيقوم به الطالب بعد تعلّمه.
فهمت عليّ جنابك؟!.