حذّر الاستراتيجي الأميركي المعروف، دنيس روس، في مقالته الأخيرة بعنوان “الانفجار القادم في الشرق الأوسط” (على موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى)، من إشارات ومؤشرات على تصاعد التوتّرات الأميركية-الإسرائيلية مع إيران، في الفترة الأخيرة، ما يجعل المنطقة برمّتها على “كفّ عفريت”!
وإذا تأملنا سيناريو المواجهات الأخيرة للإسرائيليين والأميركان مع الإيرانيين، فجميعها في سورية؛ أيّ أنّها “خطّ التماس” الأول اليوم للصراع الدولي والإقليمي، فيما تمثّل درعا إحدى أبرز بؤر التوتر المحتملة، لأنّها تمثل موقعاً استراتيجياً حيوياً مهماً في هذه المعادلة.
من المفترض أن تكون “صافرة الإنذار” الأميركية قد أوقفت مخطّط الجيش السوري في الزحف نحو المناطق التي لا تقع تحت سيطرته من محافظة درعا، ففي التحذير الأميركي رسالة واضحة برفض الاجتياح، وهو الأمر الذي يدرك الروس والإيرانيون مغزاه ودلالاته وجديّته تماماً.
من جهتنا -أردنيّاً- قمنا بعمل مهم بحماية درعا -حتى اللحظة- مما شهدته أغلب المناطق الأخرى في سورية، وبقيت شبه محصّنة من الخراب والتدمير والتهجير القسري، منذ عام ونصف تقريباً، ونجح الأردن بتعبيد الطريق والترتيب للاتفاق الأميركي-الروسي، لجعل المحافظة من مناطق خفض التصعيد، وبإقامة غرفة مشتركة للمراقبة العسكرية للميدان بين الروس والأميركيين والأردنيين، موقعها الأردن، وخلال الفترة الماضية نشّطت الدبلوماسية الأردنية قنوات الحوار للحفاظ على الاتفاق بعيداً عن تصاعد الخلافات الأميركية-الروسية.
مع ذلك، ندرك تماماً أنّ المسألة مؤقتة؛ أي الوضع الراهن لدرعا، ومرتبطة بمسارات الأمور على أرض الواقع، أولاً من زاوية الحل السياسي، وثانياً من زاوية الأجندات الدولية والإقليمية وموازين القوى العسكرية، التي أخذت تميل لصالح النظام السوري والإيرانيين، وهو الأمر الذي حاولوا ترجمته على أرض الواقع في درعا، قبل إطلاق الصافرة الأميركية!
إذن السيناريو الأول هو إبقاء ديناميكية الاتفاق الحالي (في خفض التصعيد) قائمة في درعا، بينما السيناريو المقابل تماماً لذلك هو تنفيذ عملية الهجوم السوري-الإيراني على درعا، في محاولة للوصول إلى الحدود الأردنية والإسرائيلية والسيطرة على هذه المنطقة التي تعطي نقاطاً استراتيجية للنظام السوري، وهو الأمر الذي من الواضح تماماً أنّه لن يكون “نزهة مريحة” على صعيد المواجهة مع الفصائل المحلية، وهي خليط من الجبهة الجنوبية (المدعومة دولياً وإقليمياً) وقوى إسلامية أخرى، مثل أحرار الشام وجبهة فتح الشام، ما يجعل هذا السيناريو مستبعداً، على الأقل في المدى القريب.
ما يعيق هذا السيناريو، حقّاً، هو “الفيتو الأميركي” ضد الهجوم، ما يعني الاستمرار فيه الدخول في وضع جديد تماماً، يتمثل بانهيار المعادلات الحالية كاملةً، وحدوث الانفجار الذي توقّعه دنيس روس.
السيناريو الثالث، الذي يتم تسريب بعض الأمور عنه، يتمثّل بإعادة تصميم الاتفاق الحالي الخاص بدرعا، والوصول إلى تفاهمات جديدة، لكنّه -أي السيناريو- أكثر تعقيداً والتباساً؛ إذ سُرّبت بعض أفكار لمساعد نائب وزير الخارجية الأميركي، ديفيد ساترفيلد، تتضمن تصوّراً على المدى الأبعد، في إعادة النظام إلى الحدود الأردنية-السورية، وتفكيك قاعدة التنف، وترحيل العناصر الإسلامية المتشددة وعائلاتها إلى إدلب، ونقاطاً أخرى ضمن مخطط “لمصالحة” داخلية سورية!
سيناريو “المصالحة الوطنية” ربما يكون أكثر استقراراً وضماناً للأردن ولأهل درعا، ويتيح الحديث عن إعادة فتح معبر نصيب، لكنّه -كما ذكرنا- مرتبط بقضايا أكثر تعقيداً، مع وجود خلافات داخل الإدارة الأميركية نفسها حوله، مع الحديث عن معارضة كل من جون بولتون ومايك بومبيو (مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية) لهذه المقترحات، واحتمالية مغادرة ساترفيلد موقعه ليحل محله ديفيد شنكر الباحث المعروف في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
د. محمد ابو رمان