كتّاب

زلمٌ وَ عِيال !!

لا بأس من التكرار والإعادة، والاستذكار ليس فرارا من الواقع، ولا انحيازا للماضي؛ فحاضرنا في طور التحول الان، وما كان من اعطاب، لا يمكن ان يستمر او يتكرر، او نكون قطيعا من المنذورين للانقراض.
منذ زمن ليس بعيدا، كانت على ألسِنة المواطنين وملء افواههم، مصطلحات انقرضت ولم يعد لها مكافئ موضوعي اليوم !
كان «النظام» يُفرّخ «زلم» ورجالات وقيادات و»دواسين ظلما» يفتدون الوطن والعرش بارواحهم، كانوا مؤمنين بالوطن، وكانت العِفّة هي عقيدتهم الاقتصادية والسياسية، وكانوا يعتبرون الفاسدين «جرذانا».
وكانت المعارضة تلّد «طيور شلوا» و «زلم» ومناضلين وقرامي وفرسانا، يفتدون الوطن بأعمارهم، يدخلون السجون وهم يطلقون عقائرهم بالحداء للوطن والفقراء والعمال والحريات العامة وسقوط الاستعمار وحكومات الطغاة: يعقوب زيادين وعبدالرحمن شقير وشاهر أبو شحوت وحمدي مطر وعبدالله الريماوي وسالم النحاس وضافي الجمعاني وحاكم الفايز وعوني فاخر.
كان التكافؤ متحققا بكثرة وبوفرة، وكان النظام يتوكأ على أطواد ودعامات و رواسي لم يكن جمع المال من انشغالاتهم واهتماماتهم، ولم تكن القصور ولا اليخوت ولا الطائرات الخاصة، تسترعي انتباههم او تحظى بنظرة تحسّر من سرائرهم النبيلة.
ايام زمان كانت المعارضة تستخدم لقبا فخما مستحقا هو «رجال النظام» تطلقه على الرؤساء والوزراء والمدراء والقيادات الأمنية. كانوا مسيسين وقراء. عند كل واحد منهم في منزله ما يفتخر به: مكتبة قياس 200 بوصة.
عندما حقق معي عمر باشا العمد في منتصف الثمانينيات، لاحظت ان في مكتبِه مكتبَةً تضم معظمَ كلاسيكيات الفكر والسياسة والأدب اليساري العالمي.
وايام زمان اصبح فلاح المدادحة – ابو ندهتين- وزيرا للداخلية، ولم يفعل شيئا لـ «تحسين اوضاعه» سوى انه باع املاك والده ليتمكن من الإنفاق على مقتضيات المنصب. ولهذا رحل ولم يترك خلفه بيتا، ولا يختا، ولا مزرعة. ولا مصنعا، ولا شركة، ولا رصيدا.
والصحيح ان فلاح المدادحة لم يكن باستطاعته ان يكون فاسدا، ولا مرتشيا !! فالفساد قلة شرف وطبع وموهبة وتربية وطولة يد و خِسّة. ويد فلاح المدادحة كانت قصيرة جدا، الا على اعداء الأردن ولم تكن المعارضة في نظره عدوا.
وهل فعل الشهيدُ وصفي التل، الذي دانت له القلوب والسواعد والإدارة والأراضي والجمارك والمالية، غير انه رحل مدينا ؟!
وصفي التل وهزاع المجالي وفلاح المدادحة ومحمد عودة القرعان وعبد خلف داودية وحكمت الساكت، هم مقطع عرضي لـ «رجال النظام» ! مكَّنهم النظامُ فمكّنوه. مكّنهم من القيادة فمكّنوا اركانه ووطّدوها.
كان المسؤول «يقظب شاربه» دلالة على الالتزام الكامل والقدرة على التنفيذ والوفاء، وكان يراهن بقص نصف شاربه ان هو أخفق، وكان الرجال يهددون خصومهم بقولهم: بقص شاربك؛ و كل شارب و له مقص.
لقد رأينا بأم اعيننا قصورا بناها «عيال النظام» ليس لها مثيل، لا في سويسرا ولا في باريس، ورأينا كيف ان يخوت المباهاة والفشخرة والمنفخة في العقبة لا يرفع عنها الغطاء لمدة تزيد على 6 شهور!! ورأينا فللا في العقبة أيضا، لم يدخلها مالكوها منذ سنة.

محمد داودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *