أكثر سؤال يتردد في فضاءات عمان السياسية هذه الايام، يرتبط بالاسباب، التي تجعل اي مقال لكاتب اسرائيلي، او تحليل سياسي اسرائيلي، او بوست على الفيس بوك، او تغريدة على تويتر، تسري بسرعة البرق في الاردن، ويصدق بعض الاردنيين كل هذا، ونقول بعضهم، حتى لا نسحب الكلام على الكل.
أولا، إدانة الذين يصدقون، ليست كافية، فهذه ادانة جائرة، وعلينا ان نعود الى جذر هذه الظاهرة، المرتبطة حصرا، بزمن ما قبل الفضائيات والاعلام الالكتروني، والتواصل الاجتماعي، حيث كانت اذاعة اسرائيل، وفي نشرتها الاخبارية المسائية، تبث اخبارا عن الاردن، وتختار نوعية معينة، حافلة بالمعلومات، ومثيرة، وقابلة للنقل والترداد، خصوصا، حول الوضع الداخلي، وقام التلفزيون الاسرائيلي انذاك، في نشرات اخباره العربية بتكرار الامر، في ظل غياب اعلام داخلي قوي، ومقنع، وفي ظل ثبوت مصداقية الاخبار، والمعلومات، في بعض الحالات وليس كلها، وما يمكن قوله هنا، ان التأسيس لما يظنه البعض مصداقية الاسرائيليين، تأسس مبكرا، في الوعي الجمعي. امتد الأمر الى هذا الزمن، وفيما هناك فريق يردد كل ما يقوله الاسرائيليون، دون وعي او تمييز، او تدقيق، هناك فريق آخر يشعر بالغضب والغيظ جرّاء تصديق الروايات الاسرائيلية، حتى الكاذبة منها، وهذا التيار، حانق على اسرائيل، يرفض ان يستمع الى كل رواية اسرائيلية، باعتبارها رجسًا من عمل الشيطان، ولا يجوز تصديق العدو، او تبني روايته، او حتى نقلها، واعادة بثها، او تشييرها، او اشاعتها كمعلومات.
في كل الاحوال، فإن لكل طرف تفسيراته، لكن لا أحد يريد ان يتوقف عند جذر المشكلة، بدلا من مظهرها، وجذرها كما اسلفت قديما، وليس جديدا.
المشكلة، تتعلق بالفراغ السياسي والاعلامي، هذا الفراغ الذي نعيشه هنا في الاردن، ويسمح بتسلل روايات كثيرة، كاذبة او صادقة، واذا اردنا عدم السماح بأي عبث بالداخل الاردني، من اسرائيل، او اي طرف في هذا العالم، فلا بد من ادارة هذا الفراغ بطريقة مختلفة، ذات جاذبية، تحصن الداخل الاردني، بدلا من حفلات الشتم في حالة المعارضة، وحفلات التصفيق في حالة الموالاة.
هناك جهات عديدة، استطاعت ان تتأكد عبر وسائلها، ان هناك امكانية للعبث بالداخل الاردني، وقياس مدى انتشار هذه المعلومات، وتصديقها، والمؤكد ان قياس النبرة الايجابية والسلبية، عبر التحليلات الاحصائية، لوسائل التواصل الاجتماعي، تثبت نتائج خطيرة، لمدى انتشار الرواية الاسرائيلية، كليا او جزئيا، اضافة الى ما يتعلق بردود الفعل، والتعليقات، او النقل الشفهي للروايات الاسرائيلية.
في كل الاحوال، ظاهرة تصديق الاسرائيليين، تثبت عدة امور، اولها حرفيتهم في بث الرسائل لجوار فلسطين المحتلة، وثانيها هشاشة بنية جوار فلسطين، واستعداده لتصديق اي روايات او معلومات، حتى لو كانت كاذبة، وهذه الهشاشة، يمكن توظيفها بطرق كثيرة، وثالثها غياب الرد، بغير حفلات الردح، والتكذيب، على طريقة الخمسينات.
السؤال الأهم، يتعلق بالذي يفعله العرب لتحصين جبهاتهم الداخلية، في وجه هذه الحروب الصغيرة والكبيرة، اذ بدون اعلام مختلف، قوي، صادق، معلوماتي، لا يتلاعب بالمعلومات او الحقائق، لا يمكن الوقوف في وجه هذه الموجات التي تتدفق عبر الاعلام الاسرائيلي بكل انواعه، بما في ذلك صفحات اسرائيلية للتواصل الاجتماعي، نجد عليها ملايين العرب، يدخلونها بذريعة الجهاد الالكتروني فيما يتحولون تدريجيا، الى متأثرين عبر العقل الباطني، وبشكل تدريجي.
الأزمات التي تسلّلت عبر الاسرائيليين الى الاردن، خلال الاسابيع القليلة الماضية، لم تكن وليدة هذه الاسابيع فقط، بل نتاج تراكمات، فيما نواجه نحن هذه الازمات، بكل تأثيرها الخطير على البنية الداخلية، بشتم الاسرائيليين، او شتم الذين يصدقون هذه الروايات، وكان الاصل ان نعيد السؤال الى مربعه الاول، ونقول «لماذا يصدقون الاسرائيليين» برغم انهم يعرفون انهم يستهدفونهم.
الإجابة بسيطة: يصدقون الإسرائيليين، لأننا غائبون.
ماهر ابو طير