ينهي رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز مهلة المائة يوم، التي قال إنه يحتاجها لتقديم بعض من الإنجاز. لا يجد المرء صعوبة ليرى بوضوح أن لا إنجاز “ذا زخم” قد تحقق في هذه الفترة، لدرجة أن الرزاز نفسه عدّل أقواله وتحدث في مقابلته الإعلامية على التلفزيون الأردني أول من أمس أن فترة المائة يوم هي للتقييم والتشخيص وبناء التصورات والخطط.
الحكومة التي عانت منذ بدء عملها من ارتفاع سقف التوقعات، التي للأسف لم تعمد إلى ترشيدها في وقت لاحق، وظهر ذلك جليا عندما أعلنت عن إنجازها ما نسبته 62% من تعهداتها، وهو في التفاصيل إعلان عن إنجازات لا يرقى جلها لأن يكون قرارا عاديا، إلى جانب انغماسها في اشتباك تواصلي مجتمعي بدا أشبه بحملة علاقات عامة لم تقدم الكثير، وختمت بجولات في المحافظات لم تحقق النتائج المأمولة، ليذهب الرئيس لاحقا لطلب فرصة لأن يبدأ الآن.
كان يؤمل من هذه الحكومة أمران أساسيان في مئة يومها الأولى: أولا أن يستغل رئيسها خبرته واتصالاته ودرايته بالمشهد الاقتصادي الدولي كمسؤول سابق في البنك الدولي ليحسن شروط التفاوض مع صندوق النقد الذي يحتاج الأردن شهادته، وثانيا، أن يستثمر شعبيته ليكاشف الناس بالحقائق والصعوبات ويتحدث معهم عن القرارات الصعبة المطلوبة. لم تنجح الحكومة في تحقيق الهدف الأول، إذ شكلت الخلافات أساسا لعلاقتها مع “النقد الدولي”، ما أدى لمزيد من التعنت من قبل الصندوق،في حين لامست الثاني، لكنها أيضا للأسف، أظهرت في بعض المفاصل أنها تستمتع وتسعى لمزيد من الشعبية.
الحكومة، التي تجهد لنيل ثقة المواطنين عبر مخاطبتهم بتوجهاتها الإصلاحية المقبلة، في إطارها الظاهر مطالبة بإدراك صعوبة اللحظة التاريخية التي يمر بها الأردن، وأن عبور هذه المرحلة يتطلب أكثر من تأييد، وتبرير الغضب العارم. المرحلة تحتاج إنجازا اقتصاديا ملموسا يحسن مستوى معيشة المواطن ويرفع سوية الخدمات التي تقدم له. لن يقبل من هذه الحكومة أقل من إنجاز ملموس في هذه الملفات، ولن يشفع للحكومة اشتباكها التواصلي القائم على الوعود.
الاعتقاد السائد أن الحكومة باتت تدرك صعوبة تحقيق منجز اقتصادي سريع من شأنه أن يهدئ النفوس، لأسباب مرتبطة بتحديات داخلية وخارجية، وعليه فقد بدأت تتحدث عن إصلاحات سياسية متزامنة.
لكن مخطئ من يعتقد أن الإصلاح السياسي سيعوض الأردنيين، وينسيهم ضرورات النهوض الاقتصادي الذي هو وجعهم الأعمق والأكبر، كما أن الإصلاح السياسي، الذي يرتئيه جلالة الملك، وتحدث عنه في لقائه مع نقيب وأعضاء مجلس نقابة الصحفيين، يهدف إلى ضمان مشاركة أوسع في عملية صنع القرار، وتمكين الشباب من المساهمة بشكل أكبر في التطوير والبناء، لا يتأتى فقط من خلال إجراء المزيد من التعديل على قوانين الانتخاب والأحزاب واللامركزية التي عدلنا جلها مرات ومرات. بل بأن تذهب الحكومة إلى أعمق من ذلك، عبر مكاشفة مجتمعية سياسية حقيقية تشخص آفات المجتمع السياسية التي يجب أن يتغلب عليها، وإقرار قوانين تتناسب وحجم طموح جلالته بشأن الإصلاح السياسي.
كيف يمكن الحديث عن إصلاح سياسي، وقد عاد موظفون لعملهم بعد أن طردوا رئيس جامعة من مكتبه، في انتهاك صارخ لهيبة القانون، ومؤشر على ثقافة المجتمع السائدة؟.
إلى أي مدى سيشبع الإصلاح السياسي رغبة المواطنين ولهفتهم لعيش كريم، خصوصا وأنهم غير مهيئين لسماع شيء خارج إطار تحسين ظروفهم الاقتصادية؟.
على الحكومة استعادة توازنها وزخمها، والبدء بالعمل، ووضع الإصبع على الجروح الاقتصادية النازفة ومعالجتها، بالتوازي مع الحديث عن إصلاح سياسي، وبغير ذلك فلتتوقع مزيدا من التذمر والصراخ والانحدار بالشعبية.
مكرم الطراونة