كتّاب

إطلالة في وقت عصيب

لا أظن أن أيا ممن تولوا مهمة الرئاسة للحكومات الأردنية عبر تاريخها الحديث قد احتاج إلى الجهد والحنكة والمهارة التي احتاج لها عمر الرزاز في إقناع الناس بالسياسات والإجراءات والبرامج التي اتخذها أو سيتخذها. فالكثير من الرؤساء السابقين تولوا المسؤولية في مراحل كان فيها العرب أكثر كرما والإقليم أكثر استقرارا والمحيط أكثر أمنا والمواطن أكثر اطمئنانا فعمدوا إلى استكمال مسيرة الدولة دون الحاجة إلى التكيف مع المتغيرات الإقليمية أو الإجابة عن أسئلة الشارع أو العمل على استعادة الثقة التي تآكلت عاما بعد عام.
اليوم يخاطب الرئيس الرزاز مجتمعا تلاشى عنده الأمل بعد أن حاصره الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وفواتير الدين والأقساط المستحقة وفقد ثقته بالحكومات والمؤسسات التي أصبحت عاجزة عن توفير مستوى لائق من الخدمات أو الحفاظ على قيم الوظيفة العامة حيث تنتشر حكايات الفساد المقرون بتواطؤ البعض مع شلل وجماعات الفاسدين .
وسط هذه التداخلات والتعقيدات يحاول الرئيس أن يقدم للبلاد برنامجا إصلاحيا متكاملا يقوم على إعادة بناء وتنظيم المجتمع الأردني وإصلاح اعتلالاته من خلال ثلاثة برامج تتناول الجانب السياسي والدورة الاقتصادية ومحور التكافل الاجتماعي والخدمات.
أطروحة الرزاز الإصلاحية التي تأتي استجابة للتوجيهات الملكية المتعلقة بإطلاق برنامج للنهوض الوطني تبدو مثالية ومتماسكة ومنطقية لو أنها جاءت في أي وقت آخر أو أنها كانت خالية من مشروع قانون الضريبة الجديد والذي يشبه إلى حد كبير “حجر سنمار”.
غالبية الجمهور الأردني يدرك حاجة البلاد إلى برنامج إصلاحي شامل ويثق بقدرة الرئيس على تبني وإحداث تغيير في الواقع لكنهم لا يخفون غضبهم وإحباطهم من تأخر عملية الإصلاح وسرعة تغيير الحكومات ووصول المديونية إلى هذا المستوى الخطير .آخرون يرون أن بإمكان الحكومة اللجوء إلى إجراءات بديلة لخفض النفقات من خلال دمج المؤسسات وملاحقة التهرب وإصلاح سوق العمل.
امام هذه التحديات يطل رئيس الحكومة على الشارع المحبط ليقول بانه يتفهم حالة الاحباط التي تعم الشارع الاردني لكنه يود ان يذكرهم بان الاردن قد الف هذه الظروف ونجح في التعامل معها ويعد المواطن الاردني ببرنامج اصلاحي يقود الى حكومات برلمانية في ظرف عامين.
ومن غير ان يتوقف كثيرا عند احداث بعينها يقول الرئيس بانه يتطلع الى ان يدخل الاردن مئويته الثانية وهو في اوضاع افضل من حيث سلامة الاقتصاد واستقلالية القرار وانطلاق النهضة.
في كل مرة يطل فيها الرزاز على الشارع الاردني سواء من خلال المحاضرات او اللقاءات التلفزيونية يبدو الرجل سمحا خاليا من مظاهر واعراض السلطة والنفوذ التي تسلح بها بعض من سبقوه فهو يتعامل مع من يحاوره باحترام ويحرص على اتزانه وعقلانيته ولا يسمح لاي من امراض السلطة ان تطفو على سطح جبينه او نبرة صوته.
بالطبع لا يخلو الامر من وجود بعض الاسئلة حول اسباب تاخر الاصلاح وامكانية اخضاع كافة المؤسسات للرقابة ومدى المشاركة التي يمكن ان تتيحها التشريعات الجديدة لكن لا يمكن لاحد ان يتجاهل سماحة الرجل ووضوح فكره ولباقته وهدوءه واحترامه لعقول السامعين والمتابعين الامر الذي يجعل منه شخصا جديرا بالاحترام.

د. صبري الربيحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *