على مدار العصور كانت المدرسة أحد أهم المؤسسات الاجتماعية التي ابتدعها الإنسان لتدريب وتعليم الأبناء وتوفير البيئة والشروط المناسبة لإعدادهم للحياة ونقل خلاصة التجارب والمعارف والخبرات وطرق التفكير والشعور والحياة من أجل الحفاظ على الهوية وحماية الثقافة وتوحيد سلوك الأفراد بما يخلق التفاهم ويقلل من الخلافات والصراع الذي قد يحدث فيما لو تركت الأجيال دون إعداد وتنشئة وتدريب.
لقرون وعقود طويلة أصبحت المدارس فضاءات للمعرفة وأماكن لتطوير القدرات والمواهب وأهم وسائل وأدوات التطبيع الاجتماعي التي يقبل عليها الطلبة ويعتمدها المجتمع في بناء شخصيات الأفراد وإكسابهم المعارف وتقييم قدراتهم لتحديد مساراتهم العملية والمهنية.
المدارس هذه الأيام لم تعد جاذبة بالقدر الذي كانت عليه قبل عقود. فمع وجود وانتشار التكنولوجيا وظهور الكثير من مصادر المعرفة غير المدرسية وتوفر وسائل الترفيه والتعليم بتقنيات عالية أصبح الأطفال أكثر انجذابا إلى هذه الوسائل وأكثر إقبالا على النشاطات غير المدرسية لدرجة أن البعض يرى في الذهاب للمدرسة مضيعة للوقت وقتلا للمتعة وإلزاما للأطفال على الإذعان لطقوس لا معنى لها.
التحديات الجديدة للمدرسة ووظائفها دفعت بالقائمين على النظم التعليمية للتفكير بأساليب وتقنيات جديدة لتطوير البيئة المدرسية ومراجعة دائمة للمناهج وطرق التفاعل والأنشطة وأساليب التدريس . التطوير التربوي مفردة يجري استخدامها بكثافة هذه الأيام ففي كل يوم يعقد مؤتمر جديد وتشكل لجنة جديدة لبحث الطرق والأساليب والمحتوى المناسب للمراحل العمرية والبيئات المختلفة.
النتائج التي تحققها التدخلات الجديدة محدودة الأثر والطلبة في معظم البيئات لا يخفون ضجرهم من المناهج والأساليب وطرق إدارة الوقت . في حالات نادرة يحاول البعض تقديم الخبرات والمعارف بأساليب وطرق مبتكرة يشارك فيها الطلبة ويتفاعل الأساتذة وطلبتهم بديناميكية مختلفة.
المحاولات التي تجريها مجتمعاتنا لتحديث وتطوير المناهج والأساليب والبيئة المدرسية تصطدم بتحديات قلة الموارد والضغط على المرافق التعليمية ، في الأردن اليوم هناك اكتظاظ في الصفوف بحيث تنتظم في بعض المدارس أعداد تزيد على ضعف الطاقة الاستيعابية لها , كما تسهم العوامل الاقتصادية وآثارها على العاملين في التعليم على نوعية وجودة العملية التعليمية .
اكتظاظ المدارس وتردي مستوى الإشراف وضعف دافعية المعلم وتراجع مستوى استمتاع الطلبة بالحياة المدرسية عوامل تشجع على تشكل الشلل والجماعات الطلابية على أسس القرابة أو البنية البدنية أو المعرفة والجوار. العديد من الشلل والجماعات تتخذ مواقف معادية ومنافسة للشلل والجماعات الأخرى الأمر الذي قد يتطور للدرجة التي تتحول فيها ساحات ومرافق المدارس إلى واجهات وجبهات للصراع والعنف المتبادل بين الشلل .
المعلمون والمعلمات والمدراء الجدد وحتى القدامى غير مهيئين للتعامل مع هذه الظواهر وغالبا ما يتعاملون مع نتائج الصراعات بسيل من المواعظ والارشادات . الاطفال الذين قد يستجيبون وقتيا للزجر الذي يمارسه المدراء والمواعظ التي يقدمها المرشدون والمرشدات لا يرون في البرامج المدرسية ما يستوعب طاقاتهم او يشغل اوقاتهم فيعاودون ارتكاب نفس الافعال كلما اتيحت لهم الفرص .
النظام المدرسي الاردني عاجز تماما عن التعامل مع ظاهرة الشلل المدرسية والتنمر المدرسي الذي اصبح احد مصادر الخوف للطلبة ممن لا ينتمون الى أي من الشلل التي تتحكم في ساحات ومرافق المدرسة وتعتبرها واجهات تحت سيطرتها .
على مدار السنوات الماضية ظلت المعالجات التي قامت وتقوم بها الادارات المدرسية قاصرة وتقليدية تقوم على لوم الطالب وتحميله المسؤولية . المعالجة للعنف تبقى قاصرة اذا لم تستند الى فهم وتقدير طاقة الطلبة ووضع برامج ممتعة وجذابة ومفيدة والاشراف على تنفيذها بما يحقق لهم التطور والنماء.
د. صبري الربيحات