كتّاب

من أزمة اقتصادية إلى أزمة سياسية

ارتفعت سخونة النقاشات وهي انزاحت من مناقشة حول السياسة الاقتصادية إلى مناقشة  حول السلطة السياسية. ونلاحظ أن هذا يحدث عند كل منعطف أو أزمة. ونحن اليوم  أمام أزمة اقتصادية عميقة ومواجهة حادة حول قانون معدل للضريبة يراه الناس تصعيدا لمنطق الجباية للحكومات المتعاقبة والنهج نفسه الذي أوصلنا الى مديونية تقترب من 100 % من الناتج الوطني الإجمالي.
من المفارقات أن دولة مثل اليابان يصل الدين العام فيها إلى أكثر من 220 % من الناتج الوطني الإجمالي لكنها لا تعاني من أزمة ولا تعلل المديونية  بفساد السلطة والتطاول على المال العام و نهب “مقدرات” البلاد ؟
طبعا الاستنتاج الفوري الواضح من هذه المقارنة أن اليابان ديمقراطية كاملة ومستقرة لا تحتاج إلى إعادة النظر في بنائها السياسي فالسياسات تقررها حكومات منتخبة ثمثل حزبا أو تحالفا يتغير في كل دورة انتخابية وفق إرادة الجمهور ولا يوجد مناطق معتمة خارج مساحة الرقابة والمساءلة ولا تثير المديونية والعجز تساؤلات واتهامات حول  حقيقتها وأسبابها!
لكن للحقيقة والإنصاف يجب أولا ملاحظة الفارق النوعي بين الاقتصادين. الفارق الأساسي هو ما يميز كل اقتصاد متقدم عن اقتصاديات العالم الثالث، وبالنسبة للمديونية فهي موجودة في الدول المتقدمة وبنسبة أعلى مما هي عندنا لكنها لا تسبب أزمة حادة ولا تدخل صندوق النقد، فعلى سبيل المثال  فإن أكثر من 90 % من الدين العام الياباني هو دين داخلي والعجيب أنه حتى مع نسبة دين كهذه تستمر أسعار الفائدة ما بين 1 % إلى 2 % وكذا السندات الحكومية ولا تضطر الحكومة إلى رفع الفوائد إلى سقوف عالية جدا كما يحدث عندنا لحماية الدينار من الانهيار وكما نعلم فارتفاع الفوائد يعني غلاء العملة وتصعيب الاقتراض للاستهلاك والاستثمار. أي إدامة وتعميق الركود الاقتصادي وبالنتيجة تقليص عوائد الحكومة أي إعاقة قدرة الحكومة على الإنفاق ناهيك عن سد العجز وتسديد الالتزامات.  طبيعة الاقتصاد عندنا تدفع الحكومة الى ما تعتبره الأقل خطرا بين سيئين أي حماية الدينار من الانهيار. وهو الأمر الذي لا يحدث في اليابان لأن الاقتصاد يعتمد على الإنتاج والتصدير،  ولا خطر على توفر العملة الصعبة ولا خطر من زعل صندوق النقد. ومع أن صندوق النقد و النظام الاقتصادي بشكل عام يعتبر نسبة 60% هو الحد الآمن للمديونية وهو ما ألزم الأردن نفسه به في قانون الدين العام يصل الدين الياباني 4 أضعاف هذه النسبة بينما نضطر نحن إلى توسل موافقة صندوق النقد لأن الاعتماد عندنا هو على الإقراض الخارجي.
أزمة المديونية إذن هي في الجوهر أزمة البنية الخاصة بالاقتصاد الأردني الهش والتي لم تتغير حتى بعد الخصخصة وتحرير السوق وتستكملها فجوة الثقة بالسلطة، الفجوة التي تصبح مرتعا لشبهات وإشاعات الفساد والامتيازات..  وهنا نعم تتحول الازمة الاقتصادية الى ازمة سياسية ولا يعود ممكنا الحديث عن الاصلاح الاقتصادي دون السياسي.

جميل النمري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *