كتّاب

التربية وقطاف الزيتون

من بين كل الأشجار القادرة على العيش في بلادنا لا توجد شجرة تشبهنا كما شجرة الزيتون. الصبر والتحمل والديمومة والعطاء صفات يشترك فيها الأردنيون وأشجار الزيتون. مهما يكن المطر شحيحا والمناخ قاسيا والرعي جائرا والإهمال واضحا تبقى الزيتونة معطاءة فلا تأتي على الموسم إلا وهي محملة بما تستطيع من ثمارها ولا تبزغ شمس النهار إلا وهي مخضرة ولا تتردد في بسط ظلالها مهما اشتدت حرارة الصيف وصهده.
للزيتونة حضور لافت في ثقافتنا، فقد ورد ذكرها في الآيات القرآنية وتبارك الناس في زيتها وأنارت مصابيح المعابد والمدن واستشهد بها الشاعر حيدر محمود واختيرت أغصانها لتحمل رمزية السلام وزرعناها في كل فسحة وتحت كل نافذة وعلى جنبات قبور الأحباب والأولياء والصالحين ومع أن الاحتلال كان يستهل هجومه على أراضي الفلسطينيين بتقطيع أغصان وفروع الزيتون إلا أنها بقيت بعيدة عن الجدل السياسي على الساحة الأردنية حتى وقت قريب من هذا العام.
قبل عدة أسابيع جرى زج الزيتون في المشهد السياسي حيث أعلن رئيس الوزراء الجديد أن برامجه للمرحلة القادمة يتضمن إشراك طلبة المدارس في موسم قطاف الزيتون. ما أن سمع الأردنيون تصريح الرئيس حتى انخرط البعض في محاولات لتأويل التصريح وتفسير ما يرمي إليه. فمنهم من رأى في التصريح محاولة جادة لربط التعليم بقضايا المجتمع ومشكلاته في حين ذهب آخرون إلى اعتبار أن ما قاله الرئيس محاولة لتشتيت اهتمام المواطنين وإلهائهم عن مقاومة مشروع قانون الضريبة.
مهما كانت مقاصد الحكومة وتأويلات المتابعين فإن ما وعدت به ليس أول وعد ولن يكون الأخير فقد سمع المواطن عشرات الوعود التي تراوحت بين مكافحة الفساد وتقليص المديونية والخروج من الأزمة الاقتصادية إلى القطار الخفيف والباص السريع وناقل البحرين وعمان الجديدة وإصلاح الصحراوي ومطار الأغوار واستثمارات لا حدود لها وظلوا ينتظرون تنفيذ هذه الوعود ويجددون الأمل بتحققها عاما بعد عام.
منذ أسبوع أو يزيد بدأ الكثير من المزارعين أعمال قطاف الزيتون. بعض المراقبين يسأل عن مصير إشراك طلبة المدارس في قطاف الزيتون وتفاصيل المشروع الذي تحدث عنه الرئيس وأكدت عليه وزيرة الاتصال وصرح حوله وزير التربية والتعليم.
في الأرياف ودون توجيهات من الحكومة يشارك الصغار والكبار في قطاف الزيتون ويعتبره الجميع طقسا مقدسا ينتظره الآباء والأمهات بفارغ الصبر ويحرص الآباء على تعليم الأبناء صعود السلالم الخشبية لملاحقة الفروع السامقة وتعريتها حتى وإن أدى الأمر إلى قصها. في مثل هذه الأيام تنتظر العائلات أيام العطل لتجتمع الأجيال حول أشجار الزيتون وقصص الزراعة وحكايات القطاف ومواسم المطر ووصايا من رحل.
للزيتون وأهل الأردن حكايات بدأت منذ أن وطأت أقدام الأوائل الأرض الأردنية ولم تنتهِ بعد. ففي خربة الوهادنة والطفيلة وبني كنانة والأغوار وعجلون تتنوع أشجار الزيتون التي عرفها الأوائل منذ آلاف السنين قبل أن يتجدد الاهتمام بنقل زراعة الشجرة المباركة إلى البوادي وسفوح الجبال في مختلف محافظات المملكة.
اليوم يشكل الزيتون أحد أهم مكونات الغطاء الأخضر حيث تجاوز عدد الأشجار المزروعة منه 22 مليون شجرة يزيد انتاجها السنوي عن 40 ألف طن زيت في المواسم العادية. الكلفة التي تترتب على جني ثمار الزيتون أكثر بكثير من العائد ومع ذلك تصر العائلات الأردنية على جمع الثمار خوفا من أن يعاقبهم الله لجحودهم وقلة تقديرهم للنعم. من بين أحد أهم الدروس التي يعلمها الكبار للأطفال وهم يجمعون الحب من على الأرض أن لا يتركوا حبة واحدة مهما كان حجمها حيث تقول الحكمة المتداولة “إن البركة موجودة ولا يعرف المزارع في أي حبة تكون”. لذا فجمع كل الثمار وعدم إهمال أي منها هي الطريقة الوحيدة لضمان أن تشمل البركة محصول المزارع.

د. صبري الربيحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *