في الأردن تغيرت تسمية المؤسسات العقابية من السجون الى مراكز الإصلاح والتأهيل منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، ومع ذلك ما يزال الافراد والجماعات وحتى القضاة يستخدمون مفردة السجن للإشارة الى العقوبة والسجون للمؤسسات التي يقضي فيها المحكومون عقوباتهم.
خلال السنوات الماضية ازدادت اعداد المراكز التي يقضي فيها المحكومون عقوباتهم لتصل الى 17 مركزا تغطي معظم مناطق المحافظات في البلاد ويقيم فيها اليوم ما يقارب الـ 17000 نزيل يقضي معظمهم عقوبات تزيد على عام وقد تصل الى المؤبد. في المؤسسات العقابية رجال ونساء، كهول وشباب. كل ذلك اضافة الى بعض مراكز توقيف وتربية الاحداث الموجودة في بعض المحافظات.
من الناحية النظرية تعتبر مراكز الإصلاح والتأهيل مؤسسات للتدريب والتغير وإعادة البناء لشخصيات الأفراد الذين خرجوا على القوانين ويرتكز عملها على الفلسفة التي ترى ان ارتكاب الجريمة عمل تقع مسؤوليته المشاركة على كل من الجاني والمجتمع. حيث يؤشر ارتكاب الجريمة على فشل المجتمع في إعداد الفرد الإعداد المناسب للحياة وتوجيهه نحو الأنشطة والأدوار التي تناسب ميوله واتجاهاته وتدريبه إضافة إلى حرمانه من الفرص التي تمكنه من الامتثال والتكيف مع الاعراف والتقاليد والقوانين.
استنادا الى هذه الفلسفة ترى مدرسة الدفاع الاجتماعي التي اكتسبت شهرة عالمية في ثمانينيات القرن الماضي وأخذ الأردن ولو من الناحية الشكلية بها أن على المجتمع القيام بمسؤولياته حيال الخارجين على القوانين ومرتكبي الجرائم وذلك من خلال إصلاح الخلل الذي أدى الى إجرامهم وإعادة تأهيل الأشخاص ليعودوا للمجتمع أشخاصا أسوياء قادرين على القيام بأدوار ومهن تخدم المجتمع وتوفر لهم الاحترام والتقدير المجتمعي.
نجاح برامج الاصلاح والتأهيل في اداء رسالتها لا يعتمد على ما يقوله المدراء ومن يقومون على تنفيذ البرامج بل يتحقق اذا ما نجح النزلاء في التكيف بعد إطلاق سراحهم وتمكنوا من ممارسة الانشطة والمهن التي اكتسبوها في المؤسسات دون الخوف من امكانية العودة الى ارتكاب الجريمة ودخول المؤسسات.
على ارض الواقع تفتقر مؤسساتنا الى البرامج الشمولية والخبرات القادرة على تنفيذ الفلسفة وصياغة وتنفيذ البرامج فباستثناء بعض الانشطة والحرف التي توفرها بعض المراكز يمضي غالبية النزلاء وقتهم في انشطة وفعاليات تتراوح بين العبادة والتسلية والخدمات التي يؤدونها تحت إشراف الكوادر.
الكلفة الشهرية للنزيل في بعض التقديرات تصل الى ما يزيد على 1000 دولار شهريا الامر الذي يجعل القطاع عبئا كبيرا على الموازنة بحيث تلامس فاتورة ادارة وتشغيل المؤسسات العقابية حاجز الـ 120مليون دينار سنويا او ما يزيد على الانفاق الحكومي على وزارات الثقافة والعمل والبيئة والقطاع العام والتنمية السياسية والشؤون البرلمانية والاعلام.
منذ أشهر وبالتزامن مع بحث مشروع قانون الضريبة وما تم حوله من نقاش كان النواب والاعلام وبعض القوى تتحدث عن الحاجة الى إصدار عفو عن السجناء. في المقابل أبدى البعض تحفظهم على الفكرة واعتبروا الإقدام على اتخاذها إضرارا بالعدالة وتشجيعا للخارجين على القانون وربما سببا في مزيد من الجرائم والتعديات على الأرواح والأعراض والأموال .
غالبية النواب يخضعون لضغوطات كبيرة من قواعدهم الانتخابية ويضغطون بدورهم على الحكومة. أهالي السجناء والمحكومين يرون في العفو انجازا يفوق الكثير من الخدمات التي يمكن ان يقدمها النواب فهو يمنح للأبناء وأرباب السوابق فرصة ثانية ويجمع شمل العائلات التي يمكث بعض افرادها في السجون منذ سنوات كما انه يعيد التوازن النفسي للاطفال واليافعين الذين حرموا من العيش مع آبائهم وأمهاتهم بسبب العقوبات التي انتهت بهم الى السجون.
في الظاهر قد يبدو اصدار قانون العفو عن النزلاء سياسة اقتصادية اجتماعية وربما سياسية حكيمة , لكن الكلفة التي قد تترتب على إطلاق سراح الآلاف من أصحاب السوابق في بيئة تعاني من الفقر والبطالة والعنف وتراجع سيادة القانون أمر في غاية الخطورة وقد يترتب عليه كلفة اقتصادية وامنية يصعب تقديرها.
د. صبري الربيحات