عادة وحين تذهب الى المناسبات الاجتماعية وتسأل عن أحدهم وقبل أن يقولوا لك ما هو اسمه؟! يقولون: هاظ لفوفة!
فتتحسس من نبرة الرد الحادة أن هذا الشخص من التتار أو من بقايا هنود عاشوا في بلادنا، مع أن جدهم انضم الى العشيرة منذ كان دوار الداخلية برميلا والشامبو هو نفسه سيرف الجلي.. أكل من أكلهم وأكلوا عنده حتى انتفخوا.. وجاملهم في كل المناسبات، وشارك معهم في معظم الهوشات، وناسبهم وناسبوه، وفي الهوية المدنية وجواز السفر وحتى بطاقة التأمين الصحي يحمل اسم نفس العشيرة، ومع كل تلك الأدلة والقرائن إلا أنهم لازالوا يقولون: لفوفة!
حين كانت الأردن عبارة عن (عربان)، كانت معظم العشائر الصغيرة تنضم الى العشائر الكبيرة وتتحد معها بحثا عن الحماية والأمان.. هؤلاء من يقال عنهم (لفوفة) أي التفوا لهدف ما، وعادة لا يغفر التقادم الزمني او تطورات الحياة ما فعله أجدادهم.. لذلك حين يريد أحد من (اللفوفة) تزويج ابنه ويقوم أهل العروس بالسؤال عنه لدى أفراد عشيرته قالوا: الشاب مؤدب ومتعلم وخلوق بس ترى لمعلوماتك هظول (لفوفة) علينا، واذا مارغب أحد من (اللفوفة) بالترشح للانتخابات مع أنه يملك المؤهل العلمي والخبرات والمواقف الشجاعة الا أن أفراد العشيرة عادة لا يتحمسون لترشحه فقط لأنه (لفوفة).. وحتى حين يموت أحد من (اللفوفة) لا تجد من افراد العشيرة من يطلق يمين الطلاق إلا غداء المجبرين يكون عنده بل تكون عزومة عن العتب فقط!
حين تهاجر الى الولايات المتحدة وبعد عدة سنوات قد تحصل على الجنسية ويصبح بإمكانك ان تترشح لمنافسة ترامب على الرئاسة، وفي كندا معظم الوزراء من المهاجرين ومنهم من جاء من موزمبيق، وفي بريطانيا قد يصبح شخص من مواليد نيجيريا زعيما لحزب.. إلا في بلدنا لو أصبحت رائد فضاء، او حتى رئيس وزراء، و لو حصلت على إحدى جوائز نوبل ستبقى في نظر العشيرة (لفوفة)!
دول ضربت بالقنابل الذرية ومسحت شعوبها وممتلكاتها عن الأرض ومع ذلك تناست كل تلك الآلام والجراح ونهضت من جديد، ودول تعرضت للزلازل والبراكين والأعاصير ومع ذلك تناست كل تلك المآسي والويلات وانلطقت من جديد.. إلا في الأردن رغم كل ظروفنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة الا أن كل ذلك لم ينسنا بعد أن فلانا (لفوفة)!
العجيب والغريب أننا جددنا (لفوفة) من نوع جديد، فمؤخرا ظهر في الاردن عشيرة (الفساد) القوية والممتدة والمحمية.
ولأن الفساد كان مختصرا على رجال السلطة والسمسرة كانت على مقدرات الوطن وبمئات الملايين، الا أنه بدأ يظهر (لفوفة) على عشيرة الفساد.. مثلا شركة خدمات تقدم كشوفات وهمية لعاملين لا يحضرون الى المستشفى لتقديم الخدمة، او مكاتب لديها ماكنات تزوير طوابع، ولا ننسى الرشوة لتمرير المعاملات الحكومية في دوائر الدولة خصوصا المالية منها!
هؤلاء الفاسدون الصغار لم يلتفوا على عشيرة الفساد إلا بعد أن تيقنوا انها قوية ومحمية ولكن، وحتى في الفساد (اللفوفة) مظلوم.. فقد تحرك كل مسؤولي البلد واستنفرت كل أجهزة الدولة الرقابية بحثا عن مدير شركة خدمات.. بينما لم نجد كل هذا الوعيد والتهديد والنشاط والحماس والاجتماعات مع من نهبوا المليارات؟!
صالح عربيات