الكرامة الإنسانية المتأصلة واحترام حقوق الانسان هي المداخل الأساسية والشروط الضرورية، لبناء مجتمع منتج يسوده القانون ويعمل الجميع على حمايته والدفاع عن إنجازاته وهويته ومكتسباته.
بغير هذه المعادلة يصعب، أن يشعر الفرد بالانتماء أو يكون مستعدا لتقديم التضحيات أو جاهزا للدفاع عن بناء وتنظيم الكيان الذي يعيش فيه.
ضمن هذا الفهم عملت هيئة الأمم المتحدة ومنذ تاسيسها على تأسيس ثلاثة أجسام رئيسة في كيانها، أولها للحفاظ على الأمن ” مجلس الأمن”، والثاني ليمثل هيئتها العامة ” الجمعية العامة”، والثالث للتأكيد على كرامة وحقوق الإنسان ” مجلس حقوق الإنسان”. وعملت هذه الإجهزة معا على إدامة نظام عالمي مستقر عبر أكثر من نصف قرن قبل أن يشهد تحولات عميقة وتبدلا في الأولويات.
التعديات التي تجري على حقوق الإنسان في مختلف زوايا العالم هذه الأيام لم تعد تحدث الضجة ولا تلاقي الاهتمام الذي كانت توليه المنظمات والجمعيات والإعلام لهذه التعديات والتجاوزات في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي .
آلاف الأطفال والنساء والشيوخ يبادون في سورية والعراق وبورما وليبيا وفلسطين المحتلة دون سماع الضجيج الذي كنا نسمعه من المنظمات الدولية وجمعيات حقوق الإنسان في نهايات القرن الماضي.
الأسباب وراء هذا التراجع في الرصد والضغط والمحاسبة غير معروفة بدقة غير أن هناك من يرى أن حجم التعديات أكبر من أن تلاحقه الاجهزة والمؤسسات والمنظمات الرقابية، في حين يرى البعض، أن السبب مرتبط بتراجع الاهتمام العالمي بحقوق الانسان في ظل تداخل مفاهيم الأمن والإرهاب والثورات الداخلية مع الحقوق الأمر الذي يجعل مهمة المنظمات في غاية التشابك والتعقيد.
القيادات السياسية للكثير من دول العالم اليوم مختلفة عن تلك التي وجدت في القرن العشرين، فقد عايش الكثير منهم الحرب العالمية الثانية وويلاتها، والتزموا بالعمل على أن لا تتكرر المآسي التي شهدوها او سمعوا عنها.
لقد كان ديغول وتشرشل وايزنهاور وحتى بريجنيف يعون خطورة الحرب ويدركون آثارها وقد خبروا معاناة الأسرى والأطفال والشيوخ والمعاقين فتأسس لديهم ثقافة سلم وسلام مشتركة ورفعوا شعار”never again”.
لهذه الاعتبارات ظل العالم منشغلا وحتى مطلع الألفية الثالثة بحقوق الإنسان فأصدرت الأمم المتحدة عددا من الاتفاقيات والعهود والبروتوكولات وعملت على مراقبة الأوضاع العامة لحقوق الإنسان وضاعفت الضغوط على الدول والمجتمعات التي خرقت الاتفاقيات والمواثيق أو تأخرت في تطبيق الاتفاقيات والمصادقة عليها.
العقود الأولى التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، كانت مهمة في مسيرة البشرية، فبعد أن تجاوز العالم الآثار المباشرة للحرب واستكملت عشرات الشعوب تحررها واستقلالها شرعت هيئة الامم المتحدة بتفعيل أحد أهم مرتكزات عملها والمتعلق بحماية وتعزيز حقوق الانسان، فأصدرت الإعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948.
ومنذ ذلك التاريخ استطاعت الدول الأعضاء إقرار اتفاقية مناهضة التعذيب ووقف اشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل والاتفاقية المتعلقة بحقوق الاشخاص المعوقين إضافة إلى العديد من البروتوكولات الخاصة بعمالة الاطفال وإساءة المعاملة والاستغلال الجنسي التجاري للاطفال وغيرها من الشرائع والتدخلات التي شكلت بمجموعها المادة الاساسية والإطار المرجعي لحقوق الانسان.
الولايات المتحدة لم تكن طرفا في العديد من الاتفاقيات الدولية فلم تصادق على ميثاق حقوق الطفل ولم تتحمس كثيرا للاتفاقيات الاخرى.. في حالات كثيرة يوجد لدى الولايات المتحدة تشريعات وطنية لحماية وتعزيز حقوق الافراد والفئات المختلفة تتقدم على مضامين الاتفاقيات الدولية فقد سبقت الولايات المتحدة العالم في إقرار حقوق الاشخاص ذوي الإعاقات ووفرت لهم بيئة وخدمات وحماية قانونية تفوق ما توفره الاتفاقية الدولية بكثير.
القيادات العالمية اليوم منشغلة بالتجارة واستعراض القوة أكثر من انشغالها بالمبادئ والقيم التي أدت إلى نشوء هيئة الامم فالكرامة والحقوق والحرية والتعاون والتنمية والسلم قضايا أصبحت هامشية على الصعيدين العالمي والمحلي لكثير من نظم العالم.
د. صبري الربيحات