كتّاب

بين الفشل الإداري والفساد

كيف أمكن أن يستمر هذا لسنوات؟! أن تقبض شركة خدمات الأجور من مستشفى البشير عن مئات العاملين غير الموجودين الا على الورق الذي يتم توقيعه بأختام مزورة؟! ألا يقول هذا كل شيء عن حال الادارة في وزارة الصحة ومستشفياتها ودوائرها؟! وكم من المؤسسات والادارات تعاني من نفس الحال من الترهل والتدهور والفساد؟! ونسمع عن وجود مئات العاملين في مؤسسات يقبضون رواتب ولا يداومون. وعلى العكس هناك حماس للدوام ومنافسة وضغوط للانتقال الى بعض المرافق التي يمكن فيها التكسب والحصول على “البخشيش” وأكثر من ذلك وبصراحة الرشاوى! الرشاوى لغض الطرف أو تمرير معاملات بطريقة تضيّع على خزينة الدولة الملايين.
لطالما كنت استنكر هذه الادّعاءات واعتبرها اشاعات وأقاويل حتى سمعت شهادات مباشرة من مواطنين واصدقاء عما حصل معهم هنا وهناك. ونحن نلمس التقدم والأداء الجيد والكفؤ في عدد من المؤسسات مقابل الترهل والفساد الاداري في مؤسسات اخرى. والحال أن الادارة العامّة في البلد لا تمشي بنسق واحد تراكمي، وحال مختلف الادارات والمرافق يتقلب وفق حظها بمن يتقلب عليها من المسؤولين وحجم الاهتمام والتركيز عليها من زمن لآخر.
في مرحلة معينة ساد اتجاه تسليم الخدمات مثل خدمات التنظيف والطعام والشراب لشركات خاصة بدل توظيف العاملين مباشرة في مرافق مثل المستشفيات، ونحن كنّا مبدئيا مع هذا الاتجاه لتخفيف العبء الاداري ورفع كفاءة العمل مقابل كلفة متساوية. لكن هذه العملية تحولت الى منفذ جديد للفساد وأيضا للاستغلال الجائر للعاملين أقرب الى السخرة، فرب العمل يقبض عن العمال شيئا ويعطيهم أقل ومع التقتير الشديد هناك أداء سيئ ورقابة ادارية ضعيفة.
وثمة صيغة مختلفة لهذه الخدمة (خصخصة ادارة الخدمة فقط) قد تقلل الكلفة الى النصف. لكننا في الحقيقة لم نعد على يقين بشيء وما دام هناك ترهل وفساد داخل القطاع العام أساسا فسوف يشوب الفساد أيضا عملية شراء الخدمات من القطاع الخاص، وكما رأينا في مثال البشير الذي وصل الأمر فيه الى نمط مافيوي (اجرامي) من الفساد في عملية بيع الخدمات.
التساهل مع التجاوزات والتسامح مع المحسوبيات وتراخي المساءلة والمحاسبة راكم وضعا لا يسر في الادارة، ولا يمكن ان ننسى كيف جرى ذات مرّة توظيف 1600 شخص في أمانة عمان خلال شهور وفي عام الانتخابات لاسترضاءات نيابية كما أعلن أمين العاصمة نفسه في حينه، ولم يترتب على ذلك أي محاسبة أو مساءلة. وبعد ذلك من المنطقي أن يعتقد المواطن أن العدالة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون هي شعارات للاستهلاك فقط ولا شيء يتحقق إلا بالواسطة والمحسوبية ولا فوز إلا بالتجاوز على القانون. وبالنهاية يتحول الفساد الى ثقافة عامة والنفاق والازدواجية لغة سائدة وبالطبع فإن الادارة جزء من هذا الحال.
نقدر أن الحكومة تريد المضي بكل حزم في قضية البشير وغيرها لكن الأهم دراسة الواقع والظروف التي مكنت لها أن تحدث وتستمر، وما يترتب على ذلك من استخلاصات بالنسبة للاصلاح الاداري المنشود.

جميل النمري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *