كتّاب

الأردني الإنسان

أربعة محاور حددها جلالة الملك في خطاب العرش الذي افتتح فيه أعمال مجلس الأمة في دورته الثالثة أمس. محاور تعكس رؤية الأردن الطموحة في تحقيق دولة القانون ودولة الإنتاج ودولة الإنسان، ودولة ذات رسالة سامية.
على ماذا يدلل ذلك؟
لا شك أنه يدلل على أن الملك طالما تلمس احتياجات الأردنيين بعمق، ويعكس ذلك دوما في لقاءاته وخطاباته، والتي كان آخرها خطاب أمس الذي جاء مختلفا، كون الإنسان شكل محور حديث جلالته، إيمانا منه أن الإنسان عبارة عن احتياجات ينبغي توفيرها من أجل أردن أكثر تطورا وازدهارا ونموا ورسوخا.
من هنا، وفي رسالة لكل أردني، تحدث الملك عن الحرص على التكافل الاجتماعي، وعلى أن تكون كل السياسات والـمشاريع والخطط هدفها الإنسان الأردني وخدمته وحمايته وتمكينه من أن يستمر بدوره في بناء وطنه، إلى جانب حقه في خدمات نوعية له وتزويده بالعلم والمعرفة.
الملك وضع إصبعه على كثير من المشاكل التي يعاني منها المواطن، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بأن وضع خريطة طريق لمعالجتها، وضمان عدم تكرارها من أجل مسيرة تمضي قدما نحو الأمام.
ولم يتوان جلالته عن رفع معنويات المواطنين عبر التأكيد على أن متابعته اليومية لقضايا الوطن والمواطن أثبتت له أن عدم رضا الانسان الأردني مرده ضعف الثقة بينه وبين المؤسسات الحكومية، إلى جانب المناخ العام المشحون بالتشكيك الذي يقود إلى حالة من الإحباط والانسحاب، وكأن حال جلالته يقول “اطمئنوا فأنا موجود في أدق التفاصيل”.
الملك يقدم تصورا للتخلص من معضلة انعدام الثقة التي تؤرق الحكومات المتعاقبة والمواطنين على حد سواء، مبينا أن أهمها أن مسيرة البناء والتنمية في الأردن شابها بعض الأخطاء والتحديات، ولا بد من معالجتها. وعلى الجانب الآخر يدعو كل الأردنيين إلى إنصاف الوطن، وتذكر إنجازاته حتى يتحول عدم الرضا عن صعوبات الواقع الراهن إلى طاقة تدفع المواطن إلى الأمام.
في الهم الاقتصادي، يتحدث جلالته عن  دولة الانتاج، لعلمه بآثار هذا الوجع على المواطن. جلالته يريد دولة الإنتاج التي تعزز قيم العمل والاعتماد على الذات والتحلل من الحاجة إلى المساعدات، وهي الدولة التي تحول الأردن لوطن يواكب العصر الحديث، وتوفر له موارده الذاتية، وتحجز له سوقه التنافسية والمكانة التي تليق به في العالم، ما سينعكس على الارتقاء بالظروف الحياتية للإنسان الأردني.
ولأن رفعة ذلك الإنسان لا تتأتى، أيضا، إلا عندما تكون هناك سيادة للقانون، فقد بدا واضحا رفض جلالته لتطبيق القانون انتقائيا من دون عدالة. وفي ذات الاتجاه يواصل الملك الحديث عن الفساد، دون كلل أو ملل، متوعدا بأنه لن يسمح بأن يتحول الفساد إلى مرض مزمن.
بعد هذا الخطاب الملكي الذي شخص الداء ووضع الدواء، فإن المسؤولية تقع الآن على كاهل الحكومة أولا، ومن ثم على المواطن، بحيث يجب أن تعمل الأولى على ردم الهوة بين الطرفين من خلال تحقيق المنجز، فيما ينبغي على المواطن أن يؤمن بالأردن، وبأنه قادر على تجاوز التحديات الراهنة بتكاتف أبنائه. ولا اختلاف على أن الأردنيين أثبتوا على مدى العقود الطويلة قدرتهم على بذل كل ما في جعبتهم من طاقة من أجل أردن المستقبل، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها.

مكرم الطراونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *