كتّاب

“الجرائم الإلكترونية”.. لمن القول الفصل؟

حسنا فعل رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بتأكيده أمام مجموعة من الشباب التقاهم الأسبوع الماضي أن المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية “مصيبة، وفضفاضة والهدف منها هو تكميم الأفواه”. إنه اعتراف يستوجب التوقف عنده مليا كونه يفتح نافذة للأمل.
رئيس الوزراء بحديثه عن القانون، وتحديدا عند الإشارة إلى أن حكومته بذلت جهدا لإجراء تعديلات جوهرية عليه من خلال مجلس النواب (لا أعتقد أن الرزاز يقصد المادة 11 لعدم جواز ذلك دستوريا)، ألقى بثقل القانون على كاهل النواب، الذين أصبحوا مطالبين بالنظر إليه من زاوية مختلفة، فإقراره بصيغته المحولة يعني أن مجلسهم سيحمل لواء “تكميم الأفواه”، وأنه ضد الحريات، فيما يسجل للحكومة اعترافها بسوئه وكشف عوراته.
وحسنا فعل أيضا، رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة عندما التقط ذلك، ليطرح تساؤلات عديدة، أبرزها “لماذا لم تسحب الحكومة القانون كما فعلت بقانون ضريبة الدخل؟”، منهيا حديثا للتلفزيون الأردني بهذا الشأن بقوله “أقول هذا كي لا يتم دوماً إلقاء اللوم على مجلس النواب”. هنا عمد الطراونة إلى الدفاع عن المجلس الذي يرأسه، بل أعاد الكرة إلى ملعب الحكومة من جديد.
إذن؛ من صاحب القول الفصل فيما يتعلق بالقانون: الحكومة أم مجلس النواب؟ ومن صاحب الكلمة العليا في المادة 11 منه.
بالعودة للوراء، فإن حكومة الدكتور هاني الملقي هي من دفعت العام الماضي بالقانون إلى قبة البرلمان، جنبا إلى جنب وقانون ضريبة الدخل، بعد الاكتفاء بتعديلات شملت تغليظ العقوبات، دون فتح المادة 11، وهذا دستوريا يعني أن مجلس النواب لا يستطيع مناقشة المادة بأي شكل من الأشكال.
وبعد مرور نحو عام على ذلك، تسلم الدكتور الرزاز قيادة دفة الحكومة، وعمد إلى سحب قانون ضريبة الدخل “الجدلي” من مجلس النواب، مبقيا في الوقت ذاته على قانون الجرائم الإلكترونية، فقد كانت الأولوية لإنهاء ملف أزمة قانون الضريبة، نظرا لرفضه المطلق من المواطنين، ودعواتهم لضرورة سحبه من مجلس النواب.
الحكومة أقرت قانونا جديدا للضريبة، ودخلت في معترك الحوار حوله، ليصار بعد ذلك إلى إدراجه وقانون الجرائم الإلكترونية في ملحق على جدول الدورة الاستثنائية الماضية.
إعلاميون وحقوقيون سارعوا للتحذير من خطورة هذا القانون، الذي وصفوا تغليظ العقوبة فيه بـ”الظلامي”، إلى جانب رفضهم المطلق للمادة 11 منه، حماية لحرية الرأي والتعبير البعيدة عن خطاب الكراهية واغتيال الشخصيات.
ومع بدء أعمال الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة، عاد الحديث عن القانون، ليعلن رئيس الوزراء موقفه من المادة 11، ويخرج أيضا رئيس مجلس النواب ليرد على الرزاز، وبين الموقفين يبقى سؤال الخيارات على أرض الواقع قائما.
بالنسبة للحكومة؛ أمامها خيار سحب القانون، حيث يحق لها استرداد القوانين التي أحالتها لمجلس النواب في حال كان منعقدا أو منحلا، وهناك عشرات الحالات التي أقدمت فيها الحكومات المتعاقبة على فعل ذلك.
أما مجلس النواب، فكان عند إدراجه في ملحق الدورة الاستثنائية أمام خيارين؛ الأول رد القانون، لكنه لم يفعل، والثاني القبول به، وهذا ما حدث، لذلك، فلا خيار لديه الآن سوى تعديل مواد القانون المفتوحة، وله أيضا الحق برفضه عند التصويت عليه كقانون بمجمله.
وعليه، فإن الحكومة هي صاحبة القول الفصل بخصوص القانون، وهي مطالبه بعد تصريحات رئيس الوزراء الأخيرة، بسحبه من مجلس الأمة، ومن ثم تعديله بشكل يقضي على أي محاولة من شأنها “تكميم” أفواهنا.

مكرم الطراونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *