لم يكن لجلالة الملك إلا أن يكون مع وجدان شعبه وتطلعاته، وبالتأكيد، مع سيادتنا على كل شبر من أرض الوطن. لذلك جاء الإعلان الملكي أمس، أن الأردن قرر إنهاء الملحقين اللذين سمحا لإسرائيل باستخدام أراضي الباقورة والغمر، وأنه تم إعلام إسرائيل بذلك.
قبل ربع قرن، توصل الأردن إلى صيغة معاهدة سلام مع إسرائيل، وقد كان هامش المناورة الأردنية ضئيلا حينها، فالمنطقة كانت قد خرجت للتو من حرب الخليج المدمرة إثر احتلال العراق للكويت، وتشكلت أحلاف جديدة على أساسها، وأيضا بعيد انهيار نظام عالمي قائم على القطبية الثنائية، وبعد قطيعة عربية لما أسموه “دول الضد” والتي تم وضع الأردن فيها.
كل ذلك أثر كثيرا على القرار الأردني، وجعله يدرك أن خياراته لا يمكن أن تكون مطلقة في بنود الاتفاقية، لذلك رضي، على مضض، بمبدأ تأجير أراضي الباقورة والغمر، على أن ينتهي ذلك بعد 25 عاما، رافضا تماما فكرة التفريط بهما.
اليوم يأتي الاستحقاق؛ ويصر جلالة الملك على أن يكون هو من يزف البشرى والخبر السار إلى الأردنيين، الذي تلقفوه بكل ما في النفس من توق للفرح والانتصار. هذا القرار الذي يمثل لحظة تاريخية في إصرار الدولة الأردنية على حماية أرضها، وبسط السيادة الكاملة عليها، وفقا للقانون الدولي والاتفاقيات الثنائية.
في المقابل، نحن لا نعتقد أن المعركة القانونية لإنهاء الاتفاقية ستكون سهلة، فإسرائيل التي “نامت في العسل” طوال ربع قرن، اعتقدت لوهلة أن الأردن، وبسبب الظروف الإقليمية الراهنة، لن “يغامر” بالمطالبة بإنهاء ملحقي الاتفاقية في هذا الوقت، خصوصا أن الائتلافات التي قامت بها الولايات المتحدة خلال الأعوام القليلة الماضية برأت إسرائيل من صفة “العدو”، ومنحت اللقب لإيران، ساعية لإفهامنا أنها أصل كل شرور المنطقة.
إذن، أمامنا معركة حقيقية لمواصلة بسط سيادتنا الوطنية على منطقتي الباقورة والغمر، وهي معركة سوف تستخدم فيها جميع الأدوات؛ السياسية والقانونية، وسوف تستغل أوراق ضغط عديدة، من ضمنها الإعلام الذي سيدخل على خط المواجهة، كما فعل دائما في جميع مفاصل نزاعاتنا مع إسرائيل.
نعم؛ الإعلام سيكون واحدا من الأدوات المهمة في المواجهة، لذلك ينبغي أن نحذر جيدا من أن أي ابتعاد عن بوصلة الوطن يعني، بالضرورة، منح قيمة إضافية لإسرائيل وورقة ضغط في معركتها ضدنا في هذا السياق. يجب أن نكف عن تصديق إعلامها الذي يعد “جنديا” في جميع معاركها ضدنا، وأن لا ننساق إلى حملات ربما تبدأ قريبا من أجل تشكيكنا بقدرتنا على الانتصار في هذه المعركة المهمة.
اليوم؛ وكما جرت العادة تعيش القيادة الأردنية والشارع نبضا واحدا، ويلتقيان على الرغبة في أن نعيد جزءا عزيزا علينا إلى حضن الوطن. دعونا نبقى هكذا، وأن نتيقن أن الباقورة والغمر أصبحتا منذ اليوم في حضن الوطن.
مكرم الطراونة