كتّاب

حنّا مصائب البلد

ربما لم يعد يجدي الكلام.. فلو استقالت الحكومة بأكملها لن تجفف دمعة في عين أم، فاليوم لن يأتي باص المدرسة.. وواجب الأحد لن يحل بعذر حكومي.. وزي المدرسة لن يغسل بعد اليوم، وطابور الصباح لن يكتمل حتى يبدأ العام الدراسي المقبل.. وإذاعة المدرسة تصبح في حضرة الموت أدعية بأن يجعل قبرهم روضا من رياض الجنة، وجرس الحصة الأولى لن يسمع، أما دفتر الحضور والغياب فقد أصبح من مهمة الدفاع المدني.. وشهادة المدرسة أصبحت من مهمة دائرة الأحوال المدنية لتصبح شهادة وفاة.. ومعلمة الرياضيات ستمسح دموعها أجوبة امتحان الأسبوع الماضي ولن تضع لهنّ علامة فقد أصبح النجاح والتفوق في بلدنا هما مقدار صبرنا على المحن والبلاء.. لن تجرؤ معلمة الاجتماعيات على أن تشرح للطالبات أن البحر الميت من أهم المناطق السياحية في الأردن.. فصورة الموت أكثر صدقا من المناهج وقد أصبح من أكبر المقابر الجماعية في الأردن، ودفتر الرسم لن يعرف بعد اليوم الألوان؛ حيث أصبح اللون الأسود هو فقط من يرسم أنهارنا وبحارنا وأزهارنا.
لن تكون كارثتنا هي ما حصل في البحر الميت بل كارثتنا المقبلة أن جيلا بأكمله سيخاف من الوطن، لن يذهب أحد من الطلبة لزيارة البترا أو الى أم قيس أو قلعة عجلون.. فقد فقدوا الثقة بشوارعنا وجسورنا وبحارنا وأوديتنا وإن أي رحلة مدرسية ستختتم بزيارة مشرحة البشير!
ومادة التربية الوطنية ستصبح أصعب من الفيزياء.. فكيف سنكون قادرين على تنمية الشعور الوطني لديهم، والتغني بالإنجازات الوطنية.. وبناء الثقة بالمؤسسات.. ومقبرة سحاب لم تعد تستوعب مزيدا من ضحايا الإهمال والاستهتار والفساد!
كان يمكن تفادي الحادثة لو اطلع وزير التربية والتعليم على النشرة الجوية وأعلن عن إلغاء الرحلات المدرسية كافة في ذلك اليوم، ولكن ربما كان الوزير مشغولا بالاطلاع على وضع استراتيجية جديدة لتطوير التعليم أو بإجراء حركة تنقلات، ليس لدينا وزراء لديهم سرعة بديهة بل لدينا وزراء لديهم سرعة في تبرير الإهمال والاستهتار!
إن كان هذا العدد من الوفيات والمصابين لم يجبر وزير التربية والتعليم على الاستقالة بعد.. وفي دول تحترم التعليم استقال وزير التربية والتعليم في اليابان قبل أعوام عدة بعد أن قام مجموعة من الطلبة بتمزيق كتبهم المدرسية ابتهاجا بانتهاء الفصل الدراسي.
نحن قلوب مزقت من الحزن، وعيون جفّت على فقدان فلذات الأكباد، ودفاتر ستبقى تنتظر ولن يكتب فيها حرف جديد.. وحقائب مدرسية سيطويها الرحيل، ومقاعد دراسية ستبقى تسأل عن سر الغياب، والعطلة المدرسية أصبحت الى ما لا نهاية.. ووزير التربية والتعليم لديه اجتماع اليوم للتحقيق بما حصل وما يزال يؤكد أن المدرسة هي من غيرت مسار الرحلة!
لتستمر وزيرة السياحة في عملها على الرغم من عدم وجود أي من موظفي الوزارة لتطبيق تعليمات عدم زيارة الوديان لمن تقل أعمارهم عن 18 عاما، وليستمر وزير الأشغال العامة في منصبه رغم عدم وجود حواجز تمنع الاقتراب من الجسر المنهار، وليستمر وزير الصحة في تنفيذ خططه حتى لو افتقرت المستشفيات للزقات الجروح في الكوارث!
إن كنا غير قادرين على إعادة طلاب رحلة مدرسية الى أحضان أمهاتهم.. فهل ما نزال نحلم بإعادة مقدرات الوطن أو من هربوا بثرواته الى خارج الوطن.

صالح عربيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *