العودة إلى الرابع أو مغادرته لا تتحدد بأعداد من لديهم الاستعداد لتحمل برد الليل أو الخروج على بيان نقيب أطباء الأسنان وقرار النقابات العمالية بالمشاركة أو عدمها . كما أنه لا ولن يتأثر بكميات ونوعية الزيت أو الاسفلت المسكوب على الأرصفة والأطراف بين الأهلي والرابع ومستشفى الأردن ولكنه يتحدد بمستوى وجدية وصدق الاستجابة للأسئلة التي يطرحها المعتصمون والاصلاحات التي تنوي الدولة القيام بها.
لم تكن العلاقة بين الدولة والمجتمع على الحال التي يطمح لها الشعب ولا الصورة التي تتطلع لها الدولة فهناك الكثير من المد والجزر. لعقود طويلة ظلت الدولة تتحدث عن الإصلاح وبقي الشارع يطالب بالتغيير. في حالات قليلة وعند منعطفات خطيرة اتخذت الدولة بعض الخطوات المهمة على طريق الإصلاح السياسي كان أهمها ما حصل في أعقاب هبة نيسان 1989 حيث استئنفت الحياة البرلمانية وانتخب المجلس الحادي عشر بمشاركة حزبية واسعة.
في العقدين الأخيرين اتخذت مجموعة من الخطوات التي اعتبرت إصلاحية كان منها إنشاء وزارة للتنمية السياسية 2003 بهدف توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وتطوير العمل الحزبي حيث باشرت برامجها وسط تحذير وتحفظ العديد من المؤسسات والقوى المحافظة الأمر الذي أدى إلى ارتباك المشروع وتباين التأويلات لأهدافه وسرعة تبديل القائمين عليه وصولا إلى تغيير مسمى الوزارة إلى وزارة الشؤون السياسية مع الإبقاء على كافة الإدارات والأقسام التي اشتمل عليها التنظيم السابق.
إبان الربيع العربي ومع ارتفاع الأصوات المطالبة بالإصلاح أدخلت بعض التعديلات على الدستور وأسست هيئة مستقلة للانتخابات ومحكمة دستورية تعنى بإصدار الأحكام حول دستورية القرارات والسياسات التي قد يتولد حولها الجدل والخلاف كما باشرت البلاد بالتطبيق الحذر لنموذج اللامركزية في الإدارة المحلية.
بالرغم من حجم الإصلاحات وتعدد جوانبها والآمال الكبيرة التي علقت عليها إلا أنها لم تحدث الأثر المرجو على العلاقة بين الدولة والمجتمع فقد زادت الهوة وتعمقت أزمة الثقة وازداد الحديث عن الفساد وتراجع سيادة القانون وتدهور مستوى النزاهة وتدني مستوى رضا الشارع عن أداء الحكومات والنواب وتنامي شكوك الناس حول قدرة من يديرون الشأن العام على مواجهة الأزمات الاقتصادية ومتطلبات المرحلة.
لا أحد يستطيع أن يشخص بدقة الأسباب الكامنة وراء تدهور العلاقة بين الدولة والمجتمع لكنها بالتأكيد أزمة مركبة تتداخل فيها العوامل السياسية مع الاقتصادية والتركيبة الديمغرافية والعلاقات الإقليمية إضافة إلى أساليب الإدارة والاشتباك القائم بين السياسة والاقتصاد.
تأخر إيجاد قانون انتخابات يساعد على إفراز مجالس برلمانية سياسية. فاستمرار تغيير القانون قبل كل انتخابات عامل مهم في تولد حالة الإحباط وفقدان الأمل في إمكانية صياغة وتبني وتطبيق برامج إصلاحية جادة. الأحزاب السياسية لا ولن تتطور دون أن يكون لها وجود في الدستور وموقع في النظام السياسي. صحيح أن الكثير من الأحزاب القائمة غير مؤثرة وتفتقر إلى الرؤى والبرامج الواقعية الجذابة إلا أن التغيير المطلوب يتجاوز الأحزاب القائمة إلى خلق حياة سياسية تديرها الأحزاب بحيث تتولى الأطر الحزبية دراسة الواقع واقتراح الحلول من خلال برامج تتقدم بها للناخبين الذين يقررون بدورهم أولويات البلاد والكفاءات القادرة على التنفيذ تحت رقابة ومساءلة الأحزاب الأخرى.
الأردنيون اليوم يشكون من البطالة المزمنة وقلة فرص العمل وانعدام الاستثمار كما أنهم غاضبون لانحسار فرص التقدم والتحسن في مستوى المعيشة ونوعية الحياة. إلى جانب البطالة والفقر والتهميش يشعر البعض بتراجع قدرة الدولة على ضبط الأمور فالأشخاص الملاحقون بقضايا الفساد يهربون دون ملاحقة جدية أو ضبط لمن قام بمساعدتهم على الهروب.
ما يحتاج له الشارع هو الإجابة على جملة من الأسئلة المتعلقة بواقعهم ومستقبلهم ومصير أبنائهم ووطنهم. الخطط والبرامج والرؤى الواضحة المستندة إلى المصداقية والثقة هي التي تطمئن الناس.
د. صبري الربيحات