كتّاب

حتى لا يساء فهمنا

عندما كتبت قبل أيام معلقا على تداعيات حادثة الاعتداء على شاب بالضرب في الشارع وما تلاها من ردود فعل في مادبا وبلدة جرينة، تعمدت عدم ذكر أسماء العائلات والعشائر، رغم أن مواقع التواصل الاجتماعي ومن بعدها وسائل الإعلام كسرت المحذور الأخلاقي وغاصت في تفاصيل التفاصيل، والسبب أنني مثل سائر الزملاء الكتاب في الغد غير منحازين لطرف على حساب الآخر ولا يمكننا أن نقبل بتشويه سمعة وتاريخ طرف اجتماعي عريض بالاستناد لسلوكيات فردية. انحيازنا الوحيد هو لسيادة القانون وسلطة الدولة،لأننا على قناعة بأن من يفكر بتجاوز الدولة وسلطتها، يغامر بمستقبل الأردن واستقراره.
وفي هذا الصدد أجد نفسي متفقا كل الاتفاق مع كل كلمة قالها رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز في بيانه أمام الأعيان بجلستهم الأخيرة؛ لا مساومة أبدا على سلطة الدولة وقانونها حتى لو تعسفت السلطات في تطبيقه.
لقد أساء البعض فهم تعليقاتنا على الحادثة، ووضعها في سياق العداء مع مكونات أصيلة في المجتمع الأردني، وهذا ليس صحيحا على الإطلاق. لسنا جاهلين بواقعنا ونعلمه ونفهمه، ولم نكن لنفكر لحظة بأخذ قبيلة أو عشيرة بتاريخها ورجالها بجريرة أفعال مجموعة أشخاص.
لكن الهدف من استعارة التاريخ هو التحذير من مغبة التطاول على سلطة القانون. إن قوة المجتمع بقبائله وعشائره وفئاته الاجتماعية على اختلاف أصولها، هو من قوة الدولة ووحدة الهدف الذي جمعنا قبل نحو قرن من الزمان، فكان هذا البلد وظل كما هو أمينا على رسالة الجيل الأول من المؤسسين.
بعضنا يقرأ التاريخ السياسي والاجتماعي بطريقة مغلوطة. زعماء ووجهاء المجتمع كان دورهم على الدوام في خدمة الدولة وسيادة القانون وليس تحديه أو مصادرته. شيوخ القبائل كانوا رجال دولة يتصرفون وفق ما تمليه مصالح الدولة. وفي الحادثة الأخيرة سلكوا نفس السلوك الأصيل، ووضعوا الأمر كله بيد السلطات، ووقفت الأغلبية الساحقة من الطرفين إلى جانبهم.
إننا نمر في لحظات تاريخية غير مسبوقة، نواجه واحدا من أخطر اختبارات الوجود والصمود. المنطقة من حولنا تشتعل بالصراعات الطائفية والجهوية والمذهبية. جوارنا العربي صار ملعبا للقوى الأجنبية. حروب على الأبواب وعلى كل الجبهات. نعاني من الحصار والتضييق، ومهددون بالعواقب.
لا يمكن أن نجتاز هذا الاختبار العسير إلا بجبهة موحدة. مخطىء من يعتقد أنه سينجو بنفسه إذا ما وقعت الواقعة. كلنا سندفع الثمن ولن ينجو أحد. تجارب الجوار من حولنا تستحق التأمل لنتعلم منها الدروس. المجتمعات التي كنا نظن أنها اكثر تحضرا منا سقطت في فخ الاقتتال الأهلي، وتفسخت وبات صعبا عليها أن تستعيد وحدة نسيجها الاجتماعي.
من الطبيعي أن نقلق ونشعر بالفزع عندما نرى بعضنا يشهر السلاح في وجه أخيه لمجرد خلاف عابر أو حادثة هنا أو هناك، فلا تلومنا على خوفنا وقلقنا، لأننا بحق نخاف على بلادنا وأهلنا من كل شر، وإن بالغنا فاعذرونا.

فهد الخيطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *