من العناوين التي نالها قسط كبير من الجاذبية في السنوات الأخيرة، موضوع “هيبة الدولة”. ربما لأن مسألة الهيبة ككل، سواء “كثرتها” أو “قِلّتها” تعد من المواضيع الممتعة والمرغوبة شعبياً، على مستوى الأفراد عادة، ولكن أيضاً على مستوى الجماعات.
عند التدقيق في القضايا التي تُثار بسببها مسألة “هيبة الدولة”، يظهر أن هناك خلطاً بين مفهومي الدولة والحكومة في كثير من الحالات. وربما نتج ذلك الخلط عن الالتباس المعروف في استخدام المفهومين في الكلام الشعبي الدارج وفي الثقافة العامة، فالناس عموماً في الأردن، يستخدمون كلمتي الدولة والحكومة كمترادفتين تحملان المعنى ذاته، فيقولون عن الشخص نفسه: “موظف دولة” و”موظف حكومة”، أو يقولون: “راجعت الدولة” وهم يقصدون بذلك “راجعت الحكومة”…إلخ.
يبدو أن الحكومات، من جهتها، “تستطيب” هذا الخلط أو “تتغارش” عليه، وهذا من طبيعة النفس البشرية للأفراد والحكومات أيضاً، فهذه الحكومات كما نعرف جميعاً، هي كذلك مكونة من بشر.
إن الحكومة تعتقد أن الانتصار لهيبة الدولة، سيقود حكماً وبالضرورة إلى الانتصار لهيبة الحكومة، مع أن الحكومات عموماً تعد أول وأبرز المسؤولين عن هيبة الدول. فالحكومة “المهيوبة” تسهم في حماية هيبة الدولة، ولكن ليس بالضرورة أن تترافق الهيبتان معاً.
تعالوا ننظر بسرعة إلى التاريخ القريب لبلدنا الأردن في مجال الهيبة، فقد مر علينا زمن كانت فيه الدولة مهددة بالفعل، إما بسبب العدو الخارجي أو بسبب زعزعة الاستقرار والأمن الداخلي، ومع ذلك كان يحصل في حالات عديدة أن تتوفر في البلد حكومات “عليها الهيبة” تسهم في استعادة هيبة الدولة أو ترفع منها أو تدافع عنها.
ومن المفارقات في هذا الميدان، أن أبرز الأسماء التي تحضر في ذاكرة الأجيال الأردنية فيما يتصل بالهيبة، وهو اسم وصفي التل مثلاً، كان قد شكل حكوماته جميعها في وضع كانت فيه الدولة في حالة ضعف وقليلة الإمكانات إلى درجة مخيفة أحياناً (1962، 1965، 1970)، ويحمل الأرشيف الكثير مما يمكن أن يقال على هذا الصعيد. لكنه استطاع بسبب هيبة حكوماته أن يضاعف هيبة دولته.
وبالطبع ليس وصفي التل ولا زميله هزاع المجالي استثناء، فقد ظهرت أسماء أسبق منهما لم تعد اليوم تذكر كثيرا، لكنها أسهمت وفي ظروف صعبة في حماية الدولة وهيبتها حتى في ظل وجود معارضة شديدة داخلية وخارجية، فرئيس وزراء مثل إبراهيم هاشم، فرض حضوره بجديته ونزاهته، وقد ظل المعارض الشهير المرحوم يعقوب زيادين، حتى أواخر عمره، يتحدث باحترام عن إبراهيم هاشم ونزاهته كرجل دولة يفخر بخصومته السياسية! كان زيادين يقول ذلك متأسياً على حال “الخصوم الجدد”.
حتى لو ابتعدنا عن المستوى السياسي الأول، فقد ظل اسم المرحوم حكمت الساكت رجل التربية والتعليم البارز في الستينيات والسبعينيات مثالاً على هيبة نظام التعليم العابر للحكومات. لم يكن ذلك بسبب إمكانات مادية أو مالية عالية، بل بالعكس، فقد اعتمد على عناصر الإخلاص والجدية واحترام المهمة المناطة به، لكنه استطاع مع زملائه وفريقه في التربية والتعليم الإسهام في رفع هيبة الدولة.
وفي المقابل، دولتنا اليوم في حالة جيدة نسبياً من حيث الهيبة؛ حيث تعيش استقرارا فريدا في منطقة مضطربة، كما أن حضور جيشنا الوطني في الذهنية العامة للأردنيين في أفضل صوره وتجلياته، والأجهزة الأمنية استطاعت العبور بالبلد من أزمات خطيرة.
باختصار وبهدوء، تعالوا نناقش هيبة الحكومات وهيبة وزرائها، لعل ذلك يكون أكثر فائدة في تفسير علة بلدنا.
احمد ابو خليل