في كليات ومعاهد إدارة الأعمال والتجارة، يتعلم الدارسون مبادئ الاقتصاد وأسس التجارة وكيفية بناء المشاريع، إضافة الى إعداد الموازنات وإدارة الموارد على جميع الأحوال، قد ينسى الطلبة الكثير مما تعلموا، لكن من المؤكد أن يعلق في أذهان البعض منهم بضعة مفاهيم يقتات عليها من يحالفهم الحظ فيدخلون عالم السياسة والإدارات العليا. هذه المفاهيم يحرص الساسة على استخدامها في المواقف التي تجبرهم على أن يظهروا ما يدلل على أنهم تعلموا في جامعات وأن لديهم ما يقولونه في الاقتصاد.
من بين المفاهيم التي تبقى عالقة في رؤوس الساسة والمخططين؛ “العرض والطلب” و”الكساد” و”التضخم” و”التدهور الاقتصادي”، فهذه المفاهيم تبقى حية في عقول معظم الخريجين بصرف النظر عن أدائهم الأكاديمي إبان مراحل الدراسة وخلفيات أهاليهم الاقتصادية والسياسية، فالجميع يتحدث عن هذه المفاهيم في حفلات الاستقبال والأعياد الوطنية للدول الصديقة والشقيقة وفي الغرف المغلقة، لكن الكثيرين يتجنبون الخوض فيها علنا وبحس من المسؤولية الوطنية.
في عمان التي تتهيأ فيها الحكومة والنواب للنظر في مشروع قانون الضريبة الجديد، يتفاعل التجار والصناعيون والزراع مع مشروع القانون بطرق فردية استباقية كل حسب قراءته للمشروع وتقديره لانعكاسات التطبيق عليه. فالبعض يحاول أن يحشد ما استطاع من الأصوات والتأثير لإيقاف هذا المشروع والرجوع عنه. في حين يرى العديد من التجار والصناعيين مصلحتهم في مراجعة جدوى أعمالهم الصناعية والتجارية تحسبا لما قد يحمله القانون من مخاطر، والذهنية التي أعد بها والنوايا والمقاصد التي حاول المشرع تحميلها له.
إذا ما تجولت اليوم في شوارع عمان، فإنك ستصدم من أعداد المحال التجارية والشركات التي أخلت مكاتبها أو أشهرت محالها ومتجارها للبيع أو الإيجار. في شارع المدينة المنورة الذي كان أحد أكثر شوارع عمان الغربية اكتظاظا بالمطاعم والمحال التجارية، يمكن أن تجد العشرات من البوابات التي نزعت عنها الأسماء ورفعت عليها لافتات الإيجار.
في الأرياف المجاورة لعمان، تتوالد أكشاك صغيرة لبيع الأراضي والبيوت والمزارع. في مئات الأكشاك التي يديرها العشرات من المتقاعدين ممن لا خبرة لهم بالوساطة أو التجارة، تشعر وكأن البلاد وما عليها معروضة للبيع وبأسعار توحي بوجود حالة من اليأس لدى أصحاب هذه العروض. في المجالات كافة تجد أن العرض يزيد على الطلب، الأمر الذي يقلل من قيمة المعروض.
لا أعرف بالضبط اذا ما كان لدى حكومتنا بيانات عما يجري أو أنها تتابع أحوال السوق الذي تتنامى داخله العروض الأشبه بعروض التصفية. منذ سنوات كانت تدهشنا إعلانات البيع والإيجار والخدمة التي نجدها على أسوار المدارس وأعمدة الكهرباء والإشارات الضوئية، كما كنا نستغرب وجود من يعلن عن تشييك المزارع على جدران مبنى الوزارات أو الزجاج الخلفي للسيارة. اليوم يمكن أن تجد الإعلان في كل مكان ويمكن أن يأتيك على هيئة رسالة اقتحامية على هاتفك النقال أو جدار صفحتك الإلكترونية، فالكل يريد أن يتخلص مما لديه من سلع وخدمات وأصول ثابتة ومنقولة.
الحالة التي أوصلت الناس الى هذا الوضع بحاجة الى دراسة وسياسات غير تلك التي نتبناها. الإهمال والتراخي وترك الأمور على ما هي عليه في غير صالح أحد.
د. صبري الربيحات