كتّاب

تعزيز الوعي لمقاومة ثقافة ” التفاهة “

بقلم: الدكتور نعيم الملكاوي

في زماننا هذا حيث تتسارع الأحداث وتتشابك خيوط الحياة بتعقيداتها اللامتناهية ، يبرز مصطلح “التفاهة” كعنوان جاذب للأنظار ، يُسكب على مسامعنا يومياً من خلال شاشات التلفاز ، صفحات الإنترنت ، وأروقة الحوارات الاجتماعية بمختلف وسائلها .
لكن ، ما لم يكن متوقعاً هو تعاظم هذا الدخيل ليصبح ثقافة سائدة ، تُعلي من شأن السطحية وتُغيب جوهر الأمور وأهميتها فتصنع من السفيه فيلسوفاً ومن العالم جاهلاً .
التفاهة كما نعايشها اليوم ، ليست مجرد ظاهرة عابرة ، بل تحولت إلى عنوان يُختصر تحته الكثير من المحتوى والمفردات التي تفتقر إلى العمق والجدوى .
هذا التحول لم يأتِ من فراغ ، بل هو نتاج طبيعي لتغيرات اجتماعية وثقافية وادلجة ممنهجة ، اسهم في صياغتها وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الاعلام والاقلام بشكل كبير ورعاها مريدوا هذا النهج ومروجوه ، معززةً ثقافة اللحظة والظهور والانسلاخ عن الواقع على حساب الجودة والمضمون والفكر الناضج .
إن الغرق في بحر التفاهات يُشكل خطراً حقيقياً على الوعي الجمعي ، حيث يُغيب القضايا الجوهرية التي تستحق النقاش والتأمل ، مثل القضايا الاجتماعية ، السياسية ، البيئية ، الاقتصادية والثقافية التي تحتاج إلى تعمق وادراك بمستوى مسؤوليات المرحلة وما يكتنفها .
في المقابل ، تُعلي هذه الثقافة من شأن المحتوى السطحي الساذج الذي يُنتج بكميات هائلة ، مما يُسهم في خلق جيل يفتقر إلى القدرة على التفكير النقدي والتحليل العميق .
فالحاجة إلى رفع درجة الوعي المسؤول تصبح أكثر إلحاحاً في “زمن التفاهة” والانحدار ، وهنا تقع المسؤولية على المؤسسات التعليمية ، وسائل الإعلام ، والمؤثرين من اصحاب القرار واصحاب الفكر النير ومنابر الفكر والعقيدة في المجتمع أن يتبنوا دوراً أكثر فعالية في تعزيز المحتوى الهادف والمعلومات القيمة وتبني الابداع الذي يُسهم في بناء مجتمع مُطلع ومسؤول لخلق حالة من حالات السمو يرتقي فيها الوعي الجمعي لنبذ كل دخيل .
إن الانتقال من ” التفاهة ” إلى الوعي ليس بالمهمة السهلة ، لكنه ضروري لضمان مستقبل يسوده التفكير النقدي والفهم العميق لتحديات عالمنا ومنطقتنا بشكل خاص .
يجب أن نسعى جاهدين لإعادة توجيه البوصلة نحو قيم أكثر عمقًا وجدوى ، تُسهم في تنمية الفرد والمجتمع على حد سواء .
في نهاية المطاف ، إن “تعاظم زمن التفاهة” يُعد نداءً للعمل ، ودعوة لكل فرد ومؤسسة للمساهمة في بناء ثقافة تُقدر العمق والمعنى ، وتُعلي من شأن الوعي والمسؤولية .
فلنكن على قدر من هذا التحدي ، ولنسعى معًا نحو غدٍ أكثر وعيًا وإدراكًا .