ربما السؤال الذي عنونت به هذا المقال، يشي بالاستسلام للنتيجة، التي رأيناها في القدس، من حيث نقل السفارة الاميركية، لكنه ايضا، يعبر عن أن الاسوأ ينتظرنا بعد نقلها.
بريطانيا مثلا اعلنت انها لن تنقل سفارتها من تل ابيب الى القدس، وعشرات الدول، لن تقوم بنقل سفاراتها، لكن بالمقابل، فإن اسرائيل سوف تسعى بكل قوة، من اجل افتتاح سفارات جديدة، تمثل دولا من اميركا الجنوبية، وافريقيا، وقد اعلنت فعليا، بضع دول بدء نقل سفاراتها.
المشكلة في هذه المعركة، ليست دلالات نقل السفارات الى القدس، وحسب، بل لان معركة افتتاح السفارات، يجب ان لا تخفي المعارك الاهم، وقد شهدنا دوما، ان كل مواجهة، تلغي ما قبلها، وبدلا من وصل كل الحلقات مع بعضها البعض، ننشغل بآخر الحلقات.
هذا ينطبق على ملف السفارات في القدس، اذ يراد ايضا احلال هذا الملف، محل ملفات اخرى تتعلق بالقدس ذاتها، من حيث ما يتعرض له المسجد الاقصى، والحرم القدسي، وما تتعرض له البنية الاجتماعية في المدينة، من ازمات كبرى، على المستوى الاقتصادي والضرائب، وغرامات البيوت، وسحب بطاقات الاقامة المقدسية، وشيوع البطالة والفقر، ونشر المخدرات وغير ذلك، وهذه ملفات مهمة جدا، يجب ان لا تغيب فوق غيابها الكلي، بذريعة ان المعركة الان، معركة سفارات، دون ان ننسى هنا، ان كل هذه الحلقات متصلة ببعضها البعض.
الامر ذاته ينطبق على غزة، التي باتت تقدم اسبوعيا الاف الجرحى، والشهداء، فوق الحصار الذي يواجهه القطاع، وسط استعصاء سياسي، وحصار امني، فما الذي ينتظر غزة، والى متى سوف تصمد وسط هذه الظروف المأساوية، التي يواجهها القطاع، على كل المستويات، وهو ملف بحد ذاته، يعد الملف الاخطر اليوم، كون الناس في غزة، يموتون ببطء، جراء الحصار وما يواجهونه من ظروف.
ملفات لا تعد ولا تحصى، تخص القضية الفلسطينية، لكن الاحتلال نجح دوما، باحلال ملف مكان ملف، وربما قدرتنا ستكون اعظم اذا استطعنا فتح مسارب متوازية لكل الملفات، بدلا من تناسي بعضها، لصالح المستجد منها، وها نحن اليوم، نواجه وضعا سياسيا، ليس سهلا، يتعلق بهوية المدينة السياسية، التي تنازلنا عن نصفها باعتبارها غربية لاسرائيل، ووقفنا نتسول القدس الشرقية، عاصمة للفلسطينيين، ولدولتهم، التي لم تقم حتى الان، ومن الطبيعي ان من يفرط بنصف القدس، ملاحقا سراب المفاوضات، سيخسر النصف الثاني من القدس، وهو ما شهدناه بافتتاح السفارة الاميركية في القدس، بما يعنيه ذلك من اعتراف اميركي بكون كل القدس، عاصمة لاسرائيل.
لم يفت الاوان بعد، لتعطيل تداعيات الخطوة الاميركية، اذ لا بد من حملة سياسية، تمنع بقية دول العالم، من التسلل تدريجيا، الى القدس، وافتتاح سفارات لها، واذا كانت اقامة السفارة الاميركية في القدس، تمت، دون ان تستمع الادارة الاميركية لاحد في المنطقة، فإن عزل هذه الخطوة، واضعافها امر ممكن، اذا استطاع العالمان العربي والاسلامي، توظيف العلاقات، من اجل منع بقية دول العالم، من افتتاح سفارات، او قنصليات في القدس.
اذا صدقت النوايا، يمكن اضعاف القرار الاميركي، وعزله دوليا، عبر حملة سياسية ودبلوماسية، تستند الى اعتبارات كثيرة، من اجل منع بقية دول العالم من نقل سفاراتها الى القدس، دون ان يعني ذلك ان افتتاح السفارة امس، كان مشروعا، لكن لا بد من ترك الاميركان، فرادى، في خطوتهم هذه.