كتّاب

الأقصى تحت وصاية إسرائيل

لم يقف الاميركيون عند حدود نقل السفارة الاميركية الى القدس، وافتتاح السفارة الجديدة، يوم الاثنين، بل منحوا الاسرائيليين الضوء الاخضر، لما هو اعظم، اي تكريس اعتبار القدس، كل القدس، عاصمة لاسرائيل، بعيدا عن قصة عاصمتين شرقية وغربية.
مستشار الرئيس الامريكي جاريد كوشنير الذي قال في القدس ان الوصاية على « القدس وما فيها» هي لاسرائيل، يلامس هنا، امرين اثنين، اولهما الوصاية السياسية على القدس، من حيث شمولها اسرائيليا لكل المدينة، بما يعنيه ذلك من الغاء فعلي لحل الدولتين، القائم على كون القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين، واطلاق يد اسرائيل في كل القدس، من اجل تغيير واقعها الديموغرافي والثقافي والديني والاجتماعي، باعتبارها عاصمة موحدة لاسرائيل بما يعنيه ذلك، من توقعات صعبة الفترة المقبلة.
الوصاية الاسرائيلية المطلقة هنا، مسّت وفقا للتصريح الاميركي الوصاية الاردنية الشرعية على المسجد الاقصى، اذ ان كوشنير الذي اعتبر ان اسرائيل وصية على القدس « وما فيها» شمل بذلك الحرم القدسي، اي المسجد الاقصى ومسجد قبة الصخرة، اللذين هما في الاساس ووفقا لاتفاقية وادي عربة مع اسرائيل، تحت رعاية ووصاية الاردن، وبقبول فلسطيني، تم تأكيده عشرات المرات، وقبل ذلك هناك وصاية وجدانية، يقر بها الجميع، وهي فعليا وصاية حماية، جنبت الاقصى الكثير من المآزق، التي مرت لان الاردن، حاضر في معادلة المسجد الاقصى.
كوشنير يمنح الاسرائيليين الضوء الاخضر، للتجاوز على هذه الوصاية الاردنية كليا، باعتبار ان هذه المواقع، تحت حكم اسرائيل، وتحت وصايتها المطلقة.
ربما ندرك ان واقع الاحتلال، يقول ان التحكم الفعلي بما يجري في القدس، هو بيد الاسرائيليين، لكن هناك معادلات كثيرة، تخفف من حكم الاحتلال للمدينة، مثل الوصاية الاردنية من جهة، ووجود مئات الاف الفلسطينيين في المدينة، وغير ذلك من اعتبارات لا تجعل سلطة اسرائيل مطلقة، لكننا في الاساس، ومنذ اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لاسرائيل، وماتلا ذلك من تصريحات، آخرها ما جاء في القدس على لسان جاريد كوشنير، كنا نقرأ انقلابا اميركيا في ملف القدس، على الاردن، والفلسطينيين وعلى كل المنطقة، ولم تعد هناك اي حساسيات او حسابات سوى حسابات مصالح اسرائيل.
هذا يفسر من جهة ثانية، منسوب التوتر الاردني، والرد الرسمي الذي جاء على لسان وزير الاعلام، بخصوص الوصاية الاسرائيلية على القدس، فهي وصاية احتلال، كانت تواجه وصاية اردنية على الحرم القدسي، وقد اصبحت بموافقة اميركية وصاية اسرائيلية كاملة، على كل القدس، القديمة والجديدة، الشرقية والغربية، شاملة الحرم القدسي، بما يعنيه ذلك من نتائج خطيرة على كل المستويات.
لا نعرف من حيث المبدأ هل تتعمد واشنطن، ان تتعامى عما يجري في المنطقة، بشكل كلي، ام انها فعليا تستعرض قوتها على كل المنطقة، فتشطب حقوق من يستحق، وتمنح الحقوق لمن لا يستحق، ولا تأبه حتى ببقية الحلفاء والشركاء في المنطقة، من اجل ارضاء اسرائيل.
كل هذا يقودنا الى الاستخلاص الذي يتكرر دوما، وهو ليس سرا ولا جديدا، اذ ان تفريط العرب بجزء من القدس، وبأغلب مساحة فلسطين المحتلة، وقبول الاعتراف بإسرائيل من جانب جهات عدة، تحت عنوان الثمن المؤجل القادم على الطريق، اي دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، كان مجرد وهم وتخدير، حتى تمر كل هذه السنين، وقد اكتشف كثيرون ومتأخرا ان المشروع الاسرائيلي، لا يقف عند حدود، بما يعيد اولئك الذين صدقوا هذا الوهم الى المربع الاول، اي ان فلسطين هي فلسطين، ويستحيل ان تكون هناك انصاف حلول، سياسيا ودينيا.
يبقى السؤال حول الذي ستفعله اسرائيل بحق القدس، والحرم القدسي، بعد الذي قاله كوشنير، متبرعا بما ليس له، وليس في جيبه، الى من هو ليس في ارضه، وليست في جيبه ايضا حتى النهاية.

ماهر ابو طير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *