ما يزال غبار الانتخابات التشريعية العراقية الأخيرة لم ينقشع بعد، ولم تتضح الصورة بدرجة كبيرة، بالرغم من الانتصار الكبير، الذي حقّقه تحالف سائرون المدعوم من التيار الصدري، وهو المعروف بمواقفه ضد وضع العراق في “جيبة إيران”، وخضوعها لنفوذه، ومعه أحزاب ذات طبيعة علمانية ومدنية، بعضها معادٍ تماماً للنفوذ الإيراني.
مع ذلك، فإنّ الحشد الشعبي، الذي دخل تحت تحالف “الفتح” حقق نتائج كبيرة، وعلى الأغلب يأتي بالمرتبة الثانية، ورفع عدد مقاعده بصورة كبيرة وملحوظة، وهو تحالف مؤيد بقوة لإيران والخط الشيعي المتشدد، بينما جاء تحالف رئيس الوزراء الحالي، حيدر العبادي، في المرتبة الثالثة.
الطريف في الأمر أنّه فور بدء النتائج بالبروز تسربت أخبار عن موفدين أميركيين وإيرانيين على درجة رفيعة إلى بغداد لمحاولة إدارة التحالفات القادمة، والسيطرة على عملية تشكيل الحكومة، في ظل تصاعد الأزمة الإيرانية- الأميركية، بعد إلغاء ترامب للصفقة النووية، مما يعني أنّ العامل الخارجي، الدولي والإقليمي، له دور كبير في عملية إعادة تشكيل المشهد السياسي العراقي القادم.
عملية تشكيل الحكومة القادمة ستخضع للتحالفات، فلا يستطيع أي تحالف تشكيلها منفرداً، وثانياً لمدى تماسك كل تحالف وقدرته على الصمود، وهو مشكّل من كيانات- أحزاب عديدة، متباينة في الرؤى والمصالح في كثير من الأحيان!
الأردن، كغيره من الدول العربية، كانوا أقرب إلى رئيس الوزراء، حيدر العبادي، ويرغبون بنجاحه على حساب الرئيس الأسبق، نوري المالكي، المقرب جداً من طهران. لكن تحالف سائرون (بتوجهات الصدر وبعض الكيانات المقربة منه، بخاصة حزب الاستقامة بقيادة حسن العاقولي، وحزب الترقي بقيادة مضر شوكت، السياسي العراقي العلماني المعروف بمواقفه المعادية لإيران) يشكّل خياراً جيداً ومفيداً للأردن والدول العربية، بخاصة أنّ الصدر نفسه أصبحت لديه علاقات جيّدة مع الأردن والعديد من الدول العربية.
المهم هو أن نتحرّك سريعاً، أردنياً وعربياً، في محاولة لاقتناص هذه الفرصة ودعم التحالف الجديد، الذي من الواضح أنّه يمثل “أمل التغيير” لكثير من العراقيين، ويتمتع بقدرته على تجاوز الخطوط الطائفية الحادّة في العراق، ويقوم على فكرة التغيير ومحاولة خلق أمل وأفق لعراق جديد. ويذكر أنّ الصدر منع أعضاء كتلة أحرار، التي كانت تمثّل التيار في المرحلة السابقة ووزراءه من الترشّح في الانتخابات الراهنة، وأصرّ على ترشيح وجوه جديدة من خارج الطبقة السياسية التي اتسمت بالفساد والتلوّن خلال الفترة الماضية.
بالضرورة ليس مطلوباً أن نضع أوراقنا في سلّة واحدة، وفي الحالة العراقية فالمطلوب علاقات جيدة بقوى متعددة ومختلفة، لكن من الخطأ الفادح أن نكون خارج إطار تشكل اللعبة الجديدة، بخاصة أنّنا أردنياً نملك أوراقاً مهمة، كما يؤكد على ذلك سياسيون عراقيون كثيرون، منهم شخصيات قيادية وازنة في تحالف سائرون، التقيتُ بهم قبل أسابيع في عمّان، وكانوا يحاولون إقناع المسؤولين الأردنيين بضرورة قيام الأردن بأدوار أكبر في العراق مع توافر فرص مهمة للتأثير هناك!
عندما نتحدث عن الهيمنة الإيرانية على العراق نتناسى – نحن العرب- أنّنا ساهمنا بدرجة كبيرة في تكريسها، وبخلق فراغ كبير – كعادتنا-، دخل منه الإيرانيون والداعشيون وغيرهم، وتخلينا عن القوى الشيعية العراقية- ذات النزوع العربي، بل وناصبناها العداء، وتركنا – نحن- العراق لإيران وقدّمناه هدية تاريخية بلا مقابل!
اليوم من المطلوب إعادة النظر بجديّة وبصورة كاملة لمقاربتنا العراقية، وتحديداً أردنياّ، هنالك إمكانيات كبيرة لتدشين خطوط حيوية ومهمة مع قوى عراقية مؤثرة وفاعلة، فباب بغداد اليوم مفتوح للأردنيين والعرب بصورة أفضل من أيّ وقت مضى، وهنالك أصدقاء ينتظرون من يأتي!
د. محمد ابو رمان