أسوأ التطورات التي يمكن تخيلها اليوم، اندلاع معركة الجنوب السوري، ووقوع حرب كونية على حدودنا الشمالية، وما يتبع ذلك من نتائج كارثية، سواء ما يتعلق بموجة لجوء جديدة، أو حالة من الفوضى على حدودنا الشمالية تفضي إلى إمكانية عبور أعضاء تنظيمات إرهابية.
هذه المحاذير ليست جديدة، والأردن يدركها، لذلك كانت التحركات خلال الفترة الماضية، تسعى لحماية مصالح الأردن، وأقله عدم فتح جبهة معركة على حدوده الشمالية تزيد من الضغوط والتحديات التي يتعرض لها في هذه الفترة الحساسة.
ما يزال مصير قيام معركة الجنوب السوري على حدودنا محل بحث بين الأطراف المتنازعة في سورية، فيما تسعى الماكينة الرسمية الأردنية بالتنسيق مع الروس والأميركان إلى الإبقاء على اتفاق منطقة خفض التصعيد بشكل دائم لتجنيب الأردن فوضى وتحديات كبيرة بالقرب من حدوده.
زمنيا؛ كان يفترض أن يكون التحضير للمعركة قد بدأ، بيد أن خلافات بين اللاعبين الرئيسيين ما تزال تؤخر حسم التوجه سواء بفتح المعركة لتوسيع قاعدة سيطرة قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية، أو الإبقاء على منطقة خفض التصعيد، ويلي ذلك المضي بترتيبات متفق عليها بين جميع الأطراف.
كل التوقعات والتحليلات في الفترة الماضية كانت تقود إلى أن المعركة الكبرى المقبلة هي المعركة في الجنوب، وتحديدا بعد أن حسمت المعركة في منطقة الغوطة لصالح النظام السوري بدعم من الجيش الروسي والميليشيات الإيرانية. غير أن الحديث اليوم بات يأخذ بالحسبان إمكانية دفن فكرة معركة الجنوب، واستبدالها بترتيبات متفق عليها بين الطرفين الرئيسيين؛ الولايات المتحدة وروسيا، تضمن التوافق على إجراءات تضبط إيقاع المنطقة من دون الحاجة لمعركة الجنوب الكبرى.
آخر الأنباء التي ينقلها مسؤول مهم تؤكد أن الأردن تلقى تطمينات تفيد بالحفاظ على الهدوء في الجنوب السوري عبر التزام جميع القوى باتفاق منطقة خفض التصعيد، مع إجراءات محددة تفيد بالتخلص من تواجد الميليشيات الإيرانية، الأمر الذي ترفضه إيران ويصر عليه الأردن وتتفق معه في ذلك موسكو، وكذلك إسرائيل التي فتحت معركتها مع طهران.
التطمينات الأخيرة تقول إنه لو فرضت موسكو رؤيتها على طهران، فإن ذلك سيحول دون تفجر معركة الجنوب وتجنب العنف من خلال الالتزام باتفاق المبادئ في إطار خفض التصعيد، بحيث لا تضمن عدم وجود قوات غير سورية على بعد مسافة محددة من خطوط وقف النار، وأيضا يجري لاحقا التوسع في محاربة داعش والنصرة، حماية للمصالح الأردنية وتجنيب المملكة تهديد هذه الجماعات المتطرفة، وكذلك عدم تواجد الميليشيات الإيرانية.
فكرة فتح الحدود مع دمشق تم بحثها من جديد، لكن الموقف الأردني لم يتبدل منها؛ حيث يرى المسؤول نفسه أن فتح المعبر أمر سيناقش حين تكون الظروف السياسية والميدانية مواتية. ما يهم المملكة اليوم، وفقا لترتيب الأولويات، هو “عدم تفجر العنف وكيفية ضمان ذلك”. ويضيف “وصلنا لتفاهمات جيدة والحوار مستمر مع الدول المعنية بالملف”.
إن صحت وعود الروس والأميركان للأردن وأبقى الروس على وعدهم، والتزمت الولايات المتحدة بالاتفاق، فربما يجنبنا ذلك وقوع معركة على حدودنا الشمالية، وربما أيضا تسارعت عملية ترتيب الأوضاع على تلك الواجهة، وفي ذلك منفعة كبيرة للأردن الذي لا ينقصه جبهة جديدة تضاف إلى جبهة معركة القدس ونقل سفارة واشنطن إليها.
سيناريو قيام المعركة لم يطو بعد، رغم أن الحوار مستمر حولها، لكن علينا كأردن أن نتحضر لأسوأ السيناريوهات، لتجنب مخاطرها، فبما أن الأرض السورية صارت أرضا محروقة والكل يسعى لإنهاء معاركه عليها، فإن كل شيء وارد.
جمانة غنيمات