كتّاب

عداوة مستترة

لا يمكن ان يبقى التحالف الايراني-الروسي، بذات قوته في سوريا، لان هذا التحالف بني على استراتيجية متوسطة المدى للطرفين، لكنها استراتيجية سرعان ما سوف تتغير خلال الفترة المقبلة.
ابرز اسباب انهيار هذا التحالف، ما يتعلق بصراع النفوذ في سوريا، اذ ان الايرانيين والروس، يتنافسان معا، على ملف اعادة اعمار سوريا، الذي تقدر قيمته بمئات مليارات الدولارات، مثلما يتنافس الطرفان على التموضع في المنطقة، في وجه الولايات المتحدة، اضافة الى الوصول الى البحر الابيض المتوسط، واخيرا ثروات سوريا، المعروفة للجميع، وتلك التي تعد سرا مكتوما، تعرفه بعض الدول.
هذا التحالف تعرض الى هزات عدة، خلال الفترة الماضية، وعلينا ان نلاحظ ان روسيا لم تقف في وجه كل الضربات الاسرائيلية، ضد المواقع الايرانية في سوريا، بل ان اسرائيل اعلنت جهارا نهارا، انها اخذت موافقة الروس، على ضرباتها لعشرات المواقع الايرانية، واذا كان الروس يعطون الموافقة، او يتصرفون بحياد ولا يمنعون الضربات الاسرائيلية، فهذا دليل على ان موسكو، تريد تحجيم الايرانيين، على يد قوة اخرى، اي اسرائيل، التي ربما تلعب في الظلال الخلفية، ضمن اتفاقات روسية-اسرائيلية غير معلنة.
الرئيس الروسي اعلن وبعد استقباله للرئيس السوري بشار الاسد، قبل ايام، ان كل القوات الاجنبية، يجب ان تخرج من سوريا، وبرغم محاولة الكرملين توضيح واعادة تفسير التصريح، الا انه كان يعني خروج الايرانيين وحزب الله، وبقية القوات، سواء توطئة لحل سياسي، او حتى من اجل بقاء روسيا وحيدة في الملعب السوري، من اجل اعتباراتها، وكان واضحا الرد الايراني المتوتر، الذي اعلن اولا، ان الايرانيين لن يخرجوا من سوريا، ما دامت هناك جماعات ارهابية، ثم في رد الخارجية الايرانية، الذي رفض الخروج، واعلن ان ايران وحدها التي تقرر متى تخرج، وانها موجودة بطلب من الحكومة السورية، بمعنى حصولها على ذات شرعية وجود الروس في سوريا، اي الطلب من دمشق الرسمية.
هذا التحالف، الذي صمد حتى الان، قد يستمر في حالة واحدة، اي تقاسم النفوذ والارباح في سوريا، وهذا سيناريو اخر، اذ قد يأتي من يقول ان الطرفين بامكانهما البقاء معا، في سوريا، على اساس خارطة نفوذ سرية، يتم تقاسمها، على كل المستويات، وهذا مجرد افتراض، قد لا يصمد ايضا تحت وطأة التوتر الدولي ضد الايرانيين، والضغط الاميركي على طهران، في الملف النووي، وارتداد العقوبات الاميركية على ايران، وعلى الروس معا، على كل المعادلة، ومن المتوقع في الاساس، ان لا تمانع روسيا، في عقد صفقة مع الاميركان، بشأن خارطة النفوذ الاميركي- الروسي، شريطة خروج الايرانيين من خارطة النفوذ الاصغر، للايرانيين والروس، معا في سوريا.
لن ينفرط عقد هذا التحالف سريعا، كما يتمنى البعض، ما يزال الطرفان بحاجة الى بعضهما البعض في سوريا، لكن التحالف على حساب هذا البلد العربي، مؤهل للانهيار في اي توقيت، خصوصا، مع تغير العوامل الاقليمية والدولية، وهي عوامل تتحرك يوميا، بطريقة غير مسبوقة على مستوى العلاقات الدولية، التي لم تشهد هذا الحجم من التقلب، والتضاد، والقفز من معسكر الى معسكر، كل يوم، مثل هذه الايام.
ما هو مؤكد نهاية المطاف، ان سوريا العربية، قد لا تكون قادرة على ان تبقى كذلك، اذ ان طرفا ما، ايرانيا او روسياً، سوف يضعها تحت سيطرته الكلية، والاسوأ ان تضطر كل الاطراف الاقليمية والدولية، الى تقسيم سوريا، على مستوى نفوذها، وعلى مستوى جغرافي لاحقا، لتجنب الصراع بين القوى الاقليمية والدولية، وهو تجنب لا يمكن ان ينجح، ما لم يأخذ كل الفرقاء حصتهم في سوريا.

ماهر ابو طير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *