كتّاب

رسم ملامح جديدة للأمن والتعاون : أردوغان في بغداد

الدكتور نعيم الملكاوي

على أعتاب لحظة تاريخية ، تقف تركيا والعراق على مفترق طرق قد يُعيد تشكيل ملامح العلاقات الثنائية ويضع أسساً جديدة للتعاون الإقليمي .
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستعد لزيارة بغداد في مهمة دبلوماسية حاسمة ، لا تعد فقط بحثاً عن حلول للمشكلات العالقة ، بل تعكس رغبةً في تعميق الروابط السياسية والأمنية بين البلدين . هذا التقارب يمثل فصلاً جديداً في السردية الإقليمية ، حيث تتقاطع المصالح وتتشابك التحديات ، مما يفرض على الجانبين تقديم رؤية مستقبلية تتجاوز التحديات الراهنة وتبشر بأفق جديد من الاستقرار والازدهار .
مع اقتراب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعراق بنهاية مارس ( أذار الحالي ) ، تتجه الأنظار إلى ملفات حاسمة تعكس مسار العلاقات الثنائية بين البلدين . تأتي هذه الزيارة في توقيت حساس يشهده الاقليم ، حيث تناقش أنقرة وبغداد قضايا جوهرية تشمل إدارة المياه ، تصدير نفط كردستان عبر ميناء جيهان ، والتحركات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني (PKK) داخل الأراضي العراقية تحت مضلة انتشار اكثر من خمسة عشر نقطة امنية تركية داخل الحدود العراقية اكبرها تلك الموجودة في بعشيقه .
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ، في زيارته الأخيرة إلى بغداد ، وضع اللمسات الأولية لهذا اللقاء الهام ، حيث بحث مع نظرائه العراقيين القضايا العالقة مثل المياه والأمن . إن تأثير هذه المحادثات يتعدى المجال الثنائي ليمس الاستقرار الإقليمي برمته أخذين بعين الاعتبار حجم وعمق التواجد الايراني في العراق .
في السياق الأمني ، تسعى تركيا لإقامة حزام أمني داخل الأراضي العراقية ، يمتد لمسافة 30-40 كيلومتراً لمنع تسلل مقاتلي PKK ، هذا المشروع ، الذي يتوقع أن يكتمل بحلول الصيف ، يثير تساؤلات حول السيادة والتعاون الأمني بين الجارتين .
مع ابقاء الانظار مفتوحة حيال التجربة التركية على صعيد الملف السوري حيث قامت بعدة عمليات عسكرية في الشمال السوري، مثل عملية “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، بهدف إبعاد المقاتلين الأكراد عن حدودها وإنشاء منطقة آمنة . هذه العمليات أدت إلى إنشاء مناطق نفوذ تركية داخل سوريا ، حيث تمكنت تركيا من السيطرة على مناطق واسعة وإنشاء منطقة فاصلة تسيطر عليها على طول الحدود .
ومع ذلك ، ما زال الوضع معقداً ومتوتراً بسبب الاشتباكات المستمرة بين القوات التركية والفصائل الكردية ، والديناميكيات المتغيرة في الحرب السورية . كما أن هناك تحديات تتعلق بالجوانب الإنسانية ، وإعادة اللاجئين ، وإعادة الإعمار، والتوترات مع الحكومة السورية وقوى دولية أخرى مثل الولايات المتحدة وروسيا .
الملفات الرئيسية المرشحة للنقاش تعكس تعقيد العلاقات الثنائية حيث يتناول الطرفان إدارة المياه وتصدير النفط ، ويسعيان للتوصل إلى تفاهمات تسهم في تطوير العلاقات الاقتصادية والأمنية .
هذه الزيارة تمثل فرصة لتعزيز العلاقات بين البلدين وتحديد مسار جديد يقوم على التعاون والثقة المتبادلة المبنية على مصالح الطرفان .
إن نجاح تركيا في خلق منطقة فاصلة أمنياً على الجانب التركي العراقي يُقيم بناءً على الأهداف الاستراتيجية والسياسية التركية ، ولكنه يظل موضوعاً للنقاش والتقييم ويبقي الابواب مشرعة على تطور الأوضاع والتوازنات الجيوسياسية في المنطقة .
سنرى النتائج المنتظرة لهذا التقارب قد تؤثر ليس فقط على البلدين بل على الاستقرار الإقليمي ككل ، مما يضع أسساً لفصل جديد في العلاقات التركية-العراقية تنعكس اثارها على الاقليم .