مهمة الرئيس الجديدة ليست سهلة ولكنها في الوقت نفسه ليست مستحيلة, وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم, وتظهر معالم الفرصة دائماً من رحم التحديات الصعاب, ولكن هذا يحتاج إلى قدرة استثنائية على فهم المعضلات التي كانت تعترض الرؤساء السابقين, وبعضها ما زال موجوداً وتحتاج إلى قسط وافر من الجرأة في ملامستها وتشخيصها وجرأة أكبر بالاعتراف بها قبل محاولة التغلب عليها.
واعتقد أننا نمر بلحظة صفاء تحتاج منا هذه المصارحة والمكاشفة من أجل أن نحسن جميعاً البداية والانطلاق للوصول إلى النهاية المشرقة والجميلة التي تبشر بالنجاح.
المعضلة الأولى تتمثل بضرورة ايجاد حكومة واحدة منفردة بإدارة شؤون الدولة في كل مجالاتها, وأن تكون كل مؤسسات الدولة على نسق واحد متكامل بإشراف جلالة الملك الذي يتولى ضمان الدستور والاشراف على النسق العملي المتوافق بين جميع السلطات والمؤسسات والأجهزة, وهذا ما ظهر جلياً في خطاب جلالته مع الصحفيين والكتاب قبل لحظة التكليف, ونحن الأن أمام فرصة مواتية لإعادة الأمور إلى نصابها.
المعضلة الثانية وجود بعض مراكز القوى وبعض المتنفذين الذي لهم بعض التدخلات في بعض الوزارات وبعض مؤسسات الدولة, ما يؤدي أحياناً إلى ظهور الازدواجية في التوجيه والاشراف وهذا يحتاج إلى معالجة فورية بحيث تصبح المعادلة القائمة على أن الاشراف العلوي بين جلالة الملك على وجه الحصر والتحديد لرئيس الوزراء, وأن تكون صلة الوزراء برئيسهم فقط, وأن يعاد النظر بالهيئات المستقلة لتكون جزءاً من وزارات الدولة ومؤسساتها, وأن لا تتعدد المرجعيات في المجال الواحد.
المعضلة الثالثة مع دول الجوار من كل الجهات, حيث أن قدر الأردن ان يعيش وسط إقليمي ملتهب, مما ينعكس ذلك حتما على الأوضاع الداخلية, وقد استطاعت الدولة الأردنية التعامل مع هذه المعضلات على قدر دقيق من التوازن والحكمة, ولذلك لابد من مواصلة السير على هذا الحبل المشدود بأقصى درجات الحذر والحكمة بما يحقق مصلحة الأردن العليا دون الاخلال بواجباتنا تجاه الأشقاء الذين يعيشون ظروفا صعبة وبالغة الحرج والدقة.
المعضلة الرابعة تتمثل بالظروف الاقتصادية الضاعطة والحرجة والتي لا تنفك عما سبقها, لكن الحكومة تحتاج إلى وقفة صارمة في مواجهتها عبر ضبط الانفاق العام ومواجهة الفساد بحسم قاطع، وسد كل البواليع والتهريبات بقوة وحزم لا يلين, وربط سلطة المحاسبة بوضع سياسي وديمقراطي مؤسسي سليم, وايجاد مؤسسات تمثل الشعب تمثيلاً صادقاً نزيهاً بلا أدنى مواربة.
المعضلة الخامسة تتمثل بالعمل على معالجة الثقافة الريعية التي ابتلينا بها، وأن تتوجه بالضرورة نحو ثقافة الانتاج والانجاز والاعتماد على الذات, وهذا يحتاج إلى مشاركة وتفاعل شعبي عميق وتعاون وثيق بين القطاعين الخاص والعام, وان تعطي الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني دورها الحقيقي من خلال رفع سوية الثقافة المجتمعية, والقدرة على رفع وتيرة الحماس الايجابي نحو البناء والتقدم، ولا سبيل لذلك الاّ في أجواء ديمقراطية حقيقية.
د. رحيل غرايبة