كتّاب

هل هي مرحلة مختلفة؟

استطاع رئيس الوزراء، د. عمر الرزاز، بمعية وزيرة الإعلام جمانة غنيمات، أن يعيدوا شيئاً من “التوازن” للعلاقة مع الشارع، بعد “صدمة التشكيل”، وأن تتجاوز الحكومة “جزئياً” تداعيات الجولة الأولى، بانتظار المرحلة القادمة، وذلك من خلال المؤتمر الصحفي الناجح الذي عُقد (أول من أمس) وتضمن إعلاناً لبعض التوجهات الحكومية للمستقبل.

الآن التحدّي الأكثر أهمية يتمثل بترسيم الخطوات التالية للحكومة، وصولاً إلى “معركة الثقة” مع مجلس النواب، أو بالتوازي معها على الأقل، وفي مقدّمة ذلك أن يضمن تناغماً وانسجاماً داخل الفريق الحكومي، وألا تظهر علامات التشقّق بين الفريق القديم- أعضاء الحكومة السابقة (أكثر من النصف) والقادمين الجدد، الذين يطمحون بـ”تغيير نظرية العمل” لدى الحكومة.

ثانياً من الضروري – وأعتذر عن التكرار- أن يكون بيان الثقة أقرب إلى “إعلان مبادئ” للحكومة الجديدة ورؤيتها للمستقبل، سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وأن يكون بلغة مختلفة عن اللغة التقليدية في البيانات الحكومية، فيما يتعلق بالإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية والتعليمية المطروحة.

لا أميل إلى المبالغة باللغة الرقمية كثيراً، والمدرسة التي تسعى إلى تحويل كل شيء إلى مؤشرات ومقاييس، فليس دائماً “الكمّ” قادرا على أن يعكس “النوع”، لكن من المهم أن يكون هنالك تقييم حقيقي لقدرة الفريق الوزاري على إحداث فرق حقيقي في الخدمات المقدّمة، والعلاقة مع البيئة المعنية بهذه الوزارة، ومدى انسجامه مع الفريق الحكومي في تبنّي رؤية الحكومة والدفاع عنها وترجمتها من خلال العمل المتكامل.

أبرز المشكلات التي عانت منها الحكومات السابقة، عموماً، تتمثل في مبدأ عمل “الجزر المعزولة”، كّل وزير يهتم فقط بوزارته وكأنه تكنوقراطي وليس مسؤولاً سياسياً متضامناً مع الحكومة، لذلك رأينا في الحكومة السابقة كيف أنّ الحكمة التي سادت لدى أغلبية الفريق الحكومي (وكثير منهم موجودون اليوم مع الرئيس الرزاز) هي “سكّن تسلم”، وهو الأمر الذي انتقده الملك بوضوح شديد، ووصف الوزراء بالنيّام.

إذاً من الضروري أن تتجاوز الحكومة الحالية ذلك وأن يكون واضحاً لدى الوزراء بأنّ العمل تكاملي وتشابكي وتضامني، وهكذا هو الأمر في الدستور نفسه، وعلينا أن ندفن مفهوم “الحكومة التكنوقراطية” تماماً، لأنّه أدى إلى انتكاسات سياسية كبيرة في وضع الحكومات مع الشارع خلال الفترة الماضية.

هنالك أولويات بطبيعة الحال على درجة من الأهمية؛ الإصلاح الإداري ومحاربة مظاهر الفساد الجديدة التي آذت الاستثمار والخدمات الحكومية، إصلاح التعليم والمناهج، مراجعة السياسات الاقتصادية وتعديلها، تطوير القيادات الإدارية في الدولة، الإصلاح السياسي وإعادة النظر بقانون الانتخاب ودور الأحزاب السياسية، إعادة هيكلة سوق العمل بصورة فاعلة، وتطوير التدريب المهني، تطوير رسالة الدولة الثقافية والإعلامية والسياسية تجاه المجتمع، بخاصة جيل الشباب.

بالرغم من كل العوائق والتحديات وهي جسيمة وضخمة، فأنا متفائل بإمكانية إحداث اختراقات نوعية مع المرحلة الجديدة، ومن يحلل التغييرات التي حدثت مؤخراً في الديوان الملكي، وكتاب التكليف السامي، فهي جميعاً مؤشرات على وجود “إرادة سياسية” بإعطاء الرزاز فرصة لإحداث الفرق المطلوب والنقلة المنشودة..

د. محمد ابو رمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *