أهمّ ما وقع في الاحتجاجات الشعبية وإضراب 30 أيار ليس النتائج؛ نهاية حكومة الملقي وإعادة مشروع قانون الدخل وغيرها، بل الحدث نفسه، وأهم ما في الحدث أنّه كشف عن رغبة شديدة لدى جيل من الشباب الأردني في عدم الاستسلام والقبول بالواقع الحالي، والركون إلى اللامبالاة والرغبة في الهجرة إلى الخارج، بل التفكير في الإصلاح المتكامل وتحسين شروط الحياة الداخلية الأردنية.
جيل الشباب فرض إيقاعه على الحياة العامة من جديد، وقال: نحن موجودون، لا يجوز تهميشنا وتجاهلنا، والاستخفاف بنا، والصورة النمطية الساذجة التي رُسمت لدى المسؤولين عنّا غير صحيحة، بأنّنا جيل المخدرات والتطرف والبطالة وشمّاعة الثقافة الاجتماعية، وغيرها من أوصاف سلبية قاتلة، بل نحن جيل الإبداع والإنجاز والعمل، لكن البيئة العامة والشروط المحيطة التي تخلقها السياسات العامة وأنتجتموها أنتم -جيل المسؤولين السابقين- هي جوهر المشكلة والأزمة ولسنا نحن، لذلك سنعمل من الآن فصاعداً على تحسين شروط البيئة نفسها، سياسياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً.
تلك هي الرسالة السياسية التي بعث بها الجيل الذهبي الجديد، جيل التسعينيات والألفية الرائع، وإذا كان المسؤولون ما يزالون يتشبثون بالنظريات القديمة في التعامل مع هذا الجيل فأنصحهم بالعودة إلى منازلهم وأن يحظوا بقسط من الراحة ويريحوا الدولة والمجتمع من أفكارهم التي تجاوزها الشباب اليوم.
كنتُ أقرأ أمس عن بعض هؤلاء الشباب المبدع، مثل روان بركات التي أسست مؤسسة رنين لتنمية مهارة الاستماع لدى الأطفال عبر الكتب المقروءة، وروان هي كفيفة البصر، لكنّها كاملة البصيرة والذكاء، وبدأت العمل التطوعي منذ كان عمرها 11 عاماً، وهي اليوم من أفضل الشباب الريادي على مستوى العالم، وتعد ملهمة للأجيال الجديدة وللقدرة على إحداث التغيير في المجتمع، واختيرت لجوائز عالمية وجائزة الملك عبدالله، وطوّرت عملها في مجال التفكير الناقد.
من هؤلاء الشباب الأردني ورد عيسى حدادين الذي حصل على درجة الماجستير في الفيزياء النظرية بمرتبة امتياز من جامعة كامبردج بعنوان (مقارنة نظرية تمدد الكون مع النتائج المخبرية للأشعة الكونية التي تقاس من خلال التيليسكوبات الفضائية) قدم فيها طريقة بديلة لحل معادلات كانت تستغرق من الحاسوب 20 دقيقة لحلها لتصبح 5 ثوان، ما جعله مرشحا لنيل جائزة الجامعة والالتحاق ببرنامج الدكتوراه في تخصص الفيزياء النظرية.
هنالك آلاف النماذج، نعم آلاف، من الشباب الأردني الذين يبدعون وينجزون، في الداخل والخارج، لكنّنا لم نصل بعد إلى نظرية لإدماجهم في الحياة العامة وتوفير البيئة المناسبة للإفادة من هذا التفوق الكبير ومن الجيل الذهبي الجديد.
تلك هي “نقطة البداية” التي من المفترض أن نفهم من خلالها كتاب التكليف السامي وتعريفه لمهمة حكومة الرزاز، بتطوير “عقد اجتماعي جديد” أو “مشروع النهضة الوطني”. فجيل الشباب هو جيل الانتظار فعلاً، كما وصفه الرزاز في إحدى محاضراته، لكنه ليس بانتظار فرصة عمل فقط، بل بانتظار فرصته في العمل العام والتطوير والإصلاح وتغيير الواقع الذي وجد نفسه فيه مفروضاً عليه مقيداً لقدراته ومهاراته وإمكانياته.
د. محمد ابو رمان